إلا وقوعه. وهؤلاء فرضوا وقوعه مع العلم بعدم وقوعه! وهو فرض محال. وذلك بمنزلة من يقول : افرض وقوعه مع عدم وقوعه]! وهو جمع بين النقيضين.
فإن قيل : فإذا كان وقوعه مع علم الرب [عدم] وقوعه محالا لم يكن مقدورا؟ قيل : لفظ المحال مجمل ، وهذا ليس محالا لعدم استطاعته له ولا لعجزه عنه ولا لامتناعه في نفسه ، بل هو ممكن مقدور مستطاع ، ولكن اذا وقع كان الله عالما بأنه سيقع ، وإذا لم يقع كان عالما بأنه لا يقع ، فإذا فرض وقوعه مع انتفاء لازم الوقوع صار محالا من جهة إثبات الملزوم بدون لازمه. وكل الأشياء بهذا الاعتبار هي محال! مما يلزم هؤلاء : أن لا يبقى أحد قادرا على شيء ، لا الرب ، ولا الخلق ، فإن الرب إذا علم من نفسه أنه سيفعل كذا لا يلزم من علمه ذلك انتفاء قدرته على تركه ، وكذلك إذا علم من نفسه أنه لا يفعله لا يلزم منه انتفاء قدرته على فعله ، فكذلك ما قدّره من أفعال عباده. والله تعالى أعلم.
قوله : (وذلك من عقد (٢٨٢) الايمان وأصول المعرفة والاعتراف بتوحيد الله تعالى وربوبيته ، كما قال تعالى في كتابه : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) الفرقان : ٢. وقال تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) الاحزاب : ٣٨).
ش : الإشارة إلى ما تقدم من الإيمان بالقدر وسبق علمه بالكائنات قبل خلقها. قال صلىاللهعليهوسلم في جواب السائل عن الإيمان : «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه» (٢٨٣). وقال صلىاللهعليهوسلم في آخر الحديث : «يا عمر أتدري من السائل؟ قال : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه جبرائيل ، أتاكم يعلمكم دينكم». رواه مسلم.
وقوله : والاقرار بتوحيد الله وربوبيته ، أي لا يتم التوحيد والاقرار بالربوبية إلا بالإيمان بصفاته تعالى ، فإن من زعم خالقا غير الله فقد أشرك ، فكيف بمن يزعم أن كل أحد يخلق فعله؟! ولهذا كانت القدرية مجوس هذه الأمة ، وأحاديثهم في «السنن». وروى أبو داود عن ابن عمر ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال : «القدرية
__________________
(٢٨٢) في الأصل : عقائد.
(٢٨٣) صحيح ، رواه مسلم عن عمر ، والبخاري ومسلم أيضا عن أبي هريرة نحوه.