يعرف به المعروف والمنكر» (٢٨٩). وكذلك القلب المريض بالشهوة ، فإنه لضعفه يميل الى ما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه.
ومرض القلب نوعان ، كما تقدم : مرض شهوة ، ومرض شبهة ، وأردؤها مرض الشبهة ، وأردأ الشّبه ما كان من أمر القدر. وقد يمرض القلب ويشتد مرضه ولا يشعر (٢٩٠) به صاحبه ، لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها ، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته ، وعلامة ذلك أنه لا تؤلمه جراحات القبائح ، ولا يوجعه جهله بالحق وعقائده الباطلة. فإن القلب إذا كان فيه حياة تألم بورود القبيح عليه ، وتألم بأهله بالحقّ بحسب حياته.* ما لجرح بميت إيلام* وقد يشعر بمرضه ، ولكن يشتد عليه تحمل مرارة الدواء والصبر عليها ، فيؤثر بقاء ألمه على مشقة الدواء فإن دواءه في مخالفة الهوى ، وذلك أصعب شيء على النفس ، وليس له أنفع منه ، وتارة يوطن نفسه على الصبر ، ثم ينفسخ عزمه ولا يستمر معه ، لضعف علمه وبصيرته وصبره ، كمن دخل في طريق مخوف مفض الى غاية الأمن ، وهو يعلم أنه إن صبر عليه انقضى في الخوف وأعقبه الأمن ، فهو محتاج إلى قوة صبر وقوة يقين بما يصير إليه ، ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من الطريق ولم يتحمل مشقتها ، ولا سيما إن عدم الرفيق واستوحش من الوحدة وجعل يقول : أين ذهب الناس فلي أسوة بهم! وهذه حال أكثر الخلق ، وهي التي أهلكتهم. فالصابر (٢٩١) الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده ، إذا استشعر قلبه مرافقة الرّعيل الأول ، (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) النساء : ٦٩.
وما أحسن ما قال أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة ـ في كتاب «الحوادث والبدع» ـ : حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة ، فالمراد لزوم الحق واتباعه ، وإن كان المتمسك به قليلا والمخالف له كثيرا ، لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، ولا ننظر إلى كثرة
__________________
(٢٨٩) لا أعرفه.
(٢٩٠) في الاصل : يعرف.
(٢٩١) في الاصل : فالبصير
.