أهل الباطل بعدهم. وعن الحسن البصري رحمهالله أنه قال : السّنة ـ والذي لا إله إلا هو ـ بين الغالي والجافي ، فاصبروا عليها رحمكم الله ، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى ، وهم أقلّ الناس فيما بقي ، الذين [لم] يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم ، ولا مع أهل البدع في بدعتهم ، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم ، فكذلك فكونوا.
وعلامة مرض القلب عدوله عن الأغذية النافعة الموافقة ، إلى الأغذية الضارة ، وعدوله عن دوائه النافع ، إلى دوائه الضار. فههنا أربعة أشياء : غذاء نافع ، ودواء شاف ، وغذاء ضار ، ودواء مهلك. فالقلب الصحيح يؤثر النافع الشافي ، على الضارّ المؤذي ، والقلب المريض بضد ذلك. وأنفع الأغذية غذاء الإيمان ، وأنفع الأدوية دواء القرآن ، وكل منهما فيه الغذاء والدواء ، فمن طلب الشفاء في غير الكتاب والسنة فهو من أجهل الجاهلين وأضلّ الضالين ، فإن الله تعالى يقول : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) فصلت : ٤٤. وقال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) الاسراء : ٨٢. و «من» في قوله : «من القرآن» لبيان الجنس ، لا للتبعيض. وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس : ٥٧. فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل للاستشفاء به. وإذا أحسن العليل التداوي به ، ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تامّ واعتقاد جازم واستيفاء شروطه : لم يقاوم الداء أبدا. وكيف تقاوم الأدواء كلام ربّ الأرض والسماء ، الذي لو نزل على الجبال لصدعها ، أو على الأرض لقطعها؟! فما من مرض [من أمراض] القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه ، لمن رزقه الله فهما في كتابه.
وقوله : لقد التمس بوهمه في فحص الغيب سرّا كتيما. أي طلب بوهمه في البحث عن الغيب سرا مكتوما ، إذا القدر سر الله في خلقه ، فهو يروم ببحثه الاطلاع على الغيب ، وقد قال تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا