بين ظهري فلاة من الأرض» (٣٠٠). وقيل : كرسيه علمه ، وينسب الى ابن عباس. والمحفوظ عنه ما رواه ابن أبي شيبة ، كما تقدم. ومن قال غير ذلك فليس له دليل إلا مجرد الظن. والظاهر أنه من جراب الكلام المذموم ، كما قيل في العرش.
وإنما هو ـ كما قال غير واحد من السلف : بين يدي العرش كالمرقاة إليه.
قوله : (وهو مستغن عن العرش وما دونه ، محيط بكل شيء وفوقه ، وقد أعجز عن الاحاطة خلقه).
ش : أما قوله : وهو مستغن عن العرش وما دونه. فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) العنكبوت : ٦. وقال تعالى : (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فاطر : ١٥. وإنما قال الشيخ رحمهالله هذا الكلام هنا ، لأنه لما ذكر العرش والكرسي ، ذكر بعد ذلك غناه سبحانه عن العرش وما دون العرش ، ليبين أن خلقه العرش لاستوائه عليه ، ليس لحاجته إليه ، بل له في ذلك حكمة اقتضته ، وكون العالي فوق السافل ، لا يلزم أن يكون السافل حاويا للعالي ، محيطا به ، حاملا له ، [ولا] أن يكون الأعلى (٣٠١) مفتقرا إليه. فانظر الى السماء ، كيف هي فوق الأرض وليست مفتقرة إليها؟ فالرب تعالى أعظم شأنا وأجلّ من أن يلزم من علوّه ذلك ، بل لوازم علوه من خصائصه ، وهي حمله بقدرته للسافل ، وفقر السافل ، وغناه هو سبحانه عن السافل ، وإحاطته عزوجل به ، فهو فوق العرش مع حمله بقدرته للعرش وحملته ، وغناه عن العرش ، وفقر العرش إليه ، وإحاطته بالعرش ، وعدم إحاطة العرش به ، وحصره للعرش ، وعدم حصر العرش له. وهذه اللوازم منتفية عن المخلوق.
ونفاة العلوّ ، [أهل التعطيل] ، لو فصّلوا بهذا التفصيل ، لهدوا الى سواء السبيل ، وعلموا مطابقة العقل للتنزيل ، ولسلكوا خلف الدليل ، ولكن فارقوا الدليل ، فضلّوا عن سواء السبيل. والأمر في ذلك كما قال الإمام مالك رحمهالله ، لما سئل عن قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) الاعراف : ٥٣ وغيرها : كيف
__________________
(٣٠٠) صحيح كما بينته في المصدر السابق ، وهو مخرج في «الصحيحة» (١٠٩).
(٣٠١) في الأصل : للاعلاء.