استوى؟ فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول. ويروى هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفا ومرفوعا الى النبي صلىاللهعليهوسلم (٣٠٢).
وأما قوله : محيط بكل شيء وفوقه ، وفي بعض النسخ : محيط بكل شيء فوقه ، [بحذف الواو] من قوله : فوقه ، والنسخة الأولى هي الصحيحة ، ومعناها : أنه تعالى محيط بكل شيء وفوق كل شيء. ومعنى الثانية : أنه محيط بكل شيء فوق العرش. وهذه ـ والله أعلم ـ إما أن يكون أسقطها بعض النساخ سهوا ، ثم استنسخ بعض الناس من تلك النسخة ، أو أن بعض المحرفين الضالين أسقطها قصدا للفساد ، وإنكار لصفة الفوقية! وإلا فقد قام الدليل على أن العرش فوق المخلوقات وليس فوقه شيء من المخلوقات ، فلا يبقى لقوله : محيط ـ بمعنى : محيط بكل شيء فوق العرش ، والحالة هذه : معنى! إذ ليس فوق العرش من المخلوقات ما يحيط به ، فتعيّن ثبوت الواو. ويكون المعنى : أنه سبحانه محيط بكل شيء ، وفوق كل شيء.
أما كونه محيطا بكل شيء ، فقال تعالى : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) البروج : ٢٠. (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) حم السجدة : ٥٤. (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً) النساء : ١٢٦. وليس المراد من إحاطته بخلقه أنه كالفلك ، وأن المخلوقات داخل ذاته المقدسة ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. وإنما المراد : إحاطة عظمته. وسعة علمه وقدرته (٣٠٣) ، وأنها بالنسبة الى عظمته كخردلة. كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ما السموات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن ـ إلا كخردلة في يد أحدكم. ومن المعلوم ـ ولله المثل الأعلى ـ أن الواحد منا إذا كان عنده خردلة ، إن شاء قبضها وأحاط قبضته بها ، وان شاء جعلها تحته ، وهو في الحالين مباين لها ، عال عليها فوقها من جميع الوجوه ، فكيف بالعظيم الذي لا يحيط بعظمته وصف واصف. فلو شاء
__________________
(٣٠٢) لا يصح ، والصواب موقوف على مالك أو أم سلمة ، والأول أشهر.
(٣٠٣) في الاصل : احاطة عظمة وسعة وعلم وقدرة. وكلا العبارتين حسن ، وهو من التأويل الذي ينقمه الشارح ، مع أنه لا بد منه أحيانا.