لقبض السموات والأرض اليوم ، وفعل بها كما يفعل بها يوم القيامة ، فإنه لا يتجدد به إذ ذاك قدرة ليس عليها الآن ، فكيف يستبعد العقل مع ذلك أنه يدنو سبحانه من بعض أجزاء العالم وهو على عرشه فوق سماواته؟ أو يدني إليه من يشاء من خلقه؟ فمن نفى ذلك لم يقدره حقّ قدره. وفي حديث أبي رزين المشهور الذي رواه عن النبي صلىاللهعليهوسلم في رؤية الرب تعالى : فقال له أبو زرين : كيف يسعنا ـ يا رسول الله ـ وهو واحد ونحن جميع؟ فقال : سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله : هذا القمر ، آية من آيات الله ، كلكم يراه مخليا به ، والله أكبر من ذلك ، وإذا أفل تبين أنه أعظم وأكبر من كل شيء (٣٠٤). فهذا يزيل كل إشكال ، ويبطل كل خيال.
وأما كونه فوق المخلوقات ، فقال تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) الانعام : ١٨ و ٦١. (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) النحل : ٥٠. وقال صلىاللهعليهوسلم في حديث الأوعال المتقدم ذكره : «والعرش فوق ذلك ، والله فوق ذلك كله» (٣٠٥). وقد أنشد عبد الله بن رواحة شعره المذكور بين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم ، وأقرّه على ما قال : وضحك منه (٣٠٦). وكذا أنشده حسان بن ثابت رضي الله عنه قوله :
شهدت بإذن الله أن محمدا |
|
رسول الذي فوق السموات من عل |
وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما |
|
له عمل من ربه متقبل |
وأن الذي عادى اليهود ابن مريم |
|
رسول أتى من عند ذي العرش مرسل |
وأنا أخا الأحقاف إذ قام فيهم |
|
يجاهد في ذات الإله ويعدل |
فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «وأنا أشهد» (٣٠٧). وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش : أن رحمتي سبقت غضبي» (٣٠٨) وفي رواية : «تغلب غضبي» رواه البخاري
__________________
(٣٠٤) ضعيف الاسناد ، حسن المتن ، كما هو مبين في «الظلال» (٤٥٩ و ٤٦٠)
(٣٠٥) ضعيف وتقدم قريبا الحديث (برقم ٢٩٤).
(٣٠٦) ضعيف ، وقول ابن عبد البر «رويناه من وجوه صحاح» فيه نظر ، فقد قال الذهبي في «العلو» (ص ١٠٦) معقبا عليه : «روي من وجوه مرسلة ...» ثم ذكرها.
(٣٠٧) ضعيف ، رواه ابن سعد في «الطبقات» بسند ضعيف ومنقطع.
(٣٠٨) متفق عليه ، وهو مخرج في «الظلال» (٦٠٨ و ٦٠٩)
.