وأفضل منه ، كما يقال : الأمير فوق الوزير ، والدينار فوق الدرهم ـ : فذلك مما تنفر عنه العقول السليمة ، وتشمئز منه القلوب الصحيحة! فإن قول القائل [ابتداء] : الله خير من عباده ، وخير من عرشه : من جنس قوله : الثلج بارد ، والنار حارة ، والشمس أضوأ من السراج ، والسماء أعلى من سقف الدار ، والجبل أثقل من الحصى ، ورسول الله أفضل من فلان اليهود [ي] ، والسماء فوق الأرض!! وليس في ذلك تمجيد ولا تعظيم ولا مدح ، بل هو من أرذل الكلام وأسمجه وأهجنه! فكيف يليق بكلام الله ، الذي لو اجتمع الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لما أتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؟! بل في ذلك تنقّص ، كما قيل في المثل السائر :
ألم تر أن السيف ينقص قدره |
|
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا |
ولو قال قائل : الجوهر فوق قشر البصل وقشر السمك! لضحك منه العقلاء ، للتفاوت الذي بينهما ، فإن التفاوت الذي بين الخالق والمخلوق أعظم وأعظم. بخلاف ما إذا كان المقام يقتضي ذلك ، بأن كان احتجاجا على مبطل ، كما في قول يوسف الصديق عليهالسلام : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) يوسف : ٣٩. وقوله تعالى : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) النمل : ٥٩. (وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) طه : ٧٣.
وإنما يثبت هذا المعنى من الفوقية في ضمن ثبوت الفوقية المطلقة من كل وجه ، فله سبحانه وتعالى فوقية القهر ، وفوقية القدر (٣٢٤) ، وفوقية الذات. ومن أثبت البعض ونفى البعض فقد تنقّص ، وعلوه تعالى مطلق من كل الوجوه. فإن قالوا ، بل علو المكانة لا المكان؟ فالمكانة : تأنيث المكان ، والمنزلة : تأنيث المنزل ، فلفظ «المكانة والمنزلة» تستعمل في المكانات النفسانية والروحانية (٣٢٥) ، كما يستعمل لفظ «المكان والمنزل» في الأمكنة الجسمانية ، فإذا قيل : لك في قلوبنا منزلة ، ومنزلة فلان في قلوبنا وفي نفوسنا أعظم من منزلة فلان ، كما جاء في الاثر : «إذا
__________________
(٣٢٤) في الاصل : الفضل.
(٣٢٥) في الاصل : والعرجانية
.