أحب أحدكم أن يعرف كيف منزلته عند الله ، فلينظر كيف منزلة الله في قلبه ، فإن الله ينزل العبد من نفسه حيث أنزله العبد من قلبه» (٣٢٦). فقوله : «منزلة الله في قلبه» : هو ما يكون في قلبه من معرفة الله ومحبته وتعظيمه وغير ذلك ، فإذا عرف أن «المكانة والمنزلة» : تأنيث المكان والمنزل ، والمؤنث فرع على المذكر في اللفظ والمعنى ، وتابع له ، فعلوّ المثل الذي يكون في الذهن يتبع علوّ (٣٢٧) الحقيقة ، إذا كان مطابقا كان حقّا ، وإلا باطلا. فإن قيل : المراد علوه في القلوب ، وأنه أعلى في القلوب من كل شيء. قيل : وكذلك هو ، وهذا العلوّ مطابق لعلوه في نفسه على كل شيء ، فإن لم يكن عاليا بنفسه على كل شيء ، كان علوّه في القلوب غير مطابق ، كمن جعل ما ليس بأعلى أعلى.
وعلوه سبحانه وتعالى كما هو ثابت بالسمع ، ثابت بالعقل والفطرة ، أما ثبوته بالعقل فمن وجوه : أحدها : العلم البديهي القاطع بأن كل موجودين ، إما أن يكون أحدهما ساريا في الآخر قائما به كالصفات ، وإما أن يكون قائما بنفسه بائنا من الآخر. الثاني : أنه لما خلق العالم ، فإما أن يكون خلقه في ذاته أو خارجا عن ذاته ، والأول باطل : أما أولا : فبالاتفاق ، وأما ثانيا : فلأنه يلزم أن يكون محلا للخسائس (٣٢٨) والقاذورات تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا. والثاني يقتضي كون العلم واقعا خارج ذاته ، فيكون منفصلا ، فتعينت المباينة ، لأن القول بأنه غير متصل بالعالم وغير منفصل عنه ـ غير معقول. الثالث : أن كونه تعالى لا داخل
__________________
(٣٢٦) لا أعرفه.
ثم وجدته بدلالة بعض الاخوان جزاه الله خيرا في «مستدرك الحاكم» (١ / ٤٩٤ ـ ٤٩٥) بنحوه وصححه ، وتعقبه الذهبي بأن فيه عمر بن عبد الله مولى غفرة ، ضعيف ، ومن طريقه أخرجه ابو يعلى وغيره ، وهو مخرج في «الضعيفة» (٥٤٢٧) ، وهو من الأحاديث الكثيرة ، من الضعيفة والموضوعة ، التي سود بها المدعو عز الدين بليق «منهاجه» وهي قرابة أربعمائة حديث ما بين ضعيف وموضوع ، ومع ذلك زعم في مقدمته أن أحاديث «منهاجه» كلها صحيحة! وعسى أن ييسّر لي نشرها في رد عليه ومع ذلك أرجو أن انتهي منه قريبا إن شاء الله تعالى.
(٣٢٧) في الاصل : يقع على.
(٣٢٨) في الاصل : للحشائش.