لأحبك» (٣٣٥). وكذلك قوله للأنصار (٣٣٦). وكان زيد بن حارثة حبّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وابنه أسامة حبه. وأمثال ذلك. وقال له عمرو بن العاص : أي الناس أحبّ إليك؟ قال : «عائشة» ، قال : فمن الرجال؟ قال : «أبوها» (٣٣٧). فعلم أن الخلة أخص من مطلق المحبة ، والمحبوب بها لكمالها يكون محبا لذاته ، لا لشيء آخر ، إذ المحبوب لغيره هو مؤخر في الحب عن ذلك الغير ، ومن كمالها لا تقبل الشركة [ولا] المزاحمة ، لتخللها المحبة ، ففيها كمال التوحيد وكمال الحب. ولذلك لما اتخذ الله ابراهيم خليلا ، وكان ابراهيم قد سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا ، فوهب له اسماعيل ، فأخذ هذا الولد شعبة من قلبه ، فغار الخليل على قلب خليله أن يكون فيه مكان لغيره ، فامتحنه به بذبحه ، ليظهر سر الخلة في تقديمه محبة خليله على محبة ولده ، فلما استسلم لأمر ربه ، وعزم على فعله ، فظهر سلطان الخلة في الإقدام على ذبح الولد إيثارا لمحبة خليله على محبته ، نسخ الله ذلك عنه ، وفداه بالذّبح العظيم ، لأن المصلحة في الذبح كانت ناشئة من العزم وتوطين النفس على ما أمر ، فلما حصلت هذه المصلحة عاد الذبح نفسه مفسدة ، فنسخ في حقه ، وصارت الذبائح والقرابين من الهدايا والضحايا سنة في أتباعه الى يوم القيامة. وكما أن منزلة الخلة الثابتة لإبراهيم صلوات الله عليه قد شاركه فيها نبينا صلىاللهعليهوسلم كما تقدم ، كذلك منزلة التكليم الثابتة لموسى صلوات الله عليه قد شاركه فيها نبينا صلىاللهعليهوسلم ، كما ثبت ذلك في حديث الإسراء.
وهنا سؤال مشهور ، وهو : أن النبي صلىاللهعليهوسلم أفضل من إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ، فكيف طلب له من الصلاة مثل ما لإبراهيم ، مع أن المشبّه به أصله أن يكون فوق المشبه؟ وكيف
__________________
(٣٣٥) صحيح ، رواه أحمد وغيره ، وصححه ابن خزيمة وابن حبان. وهو مخرج في «صحيح أبي داود» برقم (١٣٦٢).
(٣٣٦) يشير الى حديث انس قال : جاءت امرأة من الانصار الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعها صبي لها ، فكلمها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : والذي نفسي بيده. انكم أحب الناس (الي مرتين) اخرجه البخاري.
(٣٣٧) متفق عليه من حديث عمرو بن العاص.