حقيقة ، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها ، وكل موجود في الخارج فهو جزئي ، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته ، وإنما العالم عندهم لازم له أزلا وأبدا ، وإن سموه مفعولا له فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ ، وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه ، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته! فهذا إيمانهم بالله. وأما كتبه عندهم ، فإنهم لا يصفونه بالكلام ، فلا يكلم ولا يتكلم ، ولا قال ولا يقول ، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعّال على قلب بشر زاكي النفس طاهر ، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص : قوة الإدراك وسرعته ، لينال [من] العلم أعظم ما يناله غيره! وقوة النفس ، ليؤثر بها في هيولى العالم يقلب صورة الى صورة! وقوة التخييل ، ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة ، وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيء وترى وتخاطب الرسول ، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان. وأما اليوم الآخر ، فهم أشد الناس تكذيبا وإنكارا له في الأعيان ، وعندهم أن هذا العالم لا يخرب ، ولا تنشق السموات ولا تنفطر ، ولا تنكدر النجوم ولا تكوّر الشمس والقمر ، ولا يقوم الناس من قبورهم ويبعثون إلى جنة ونار! كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام ، لا حقيقة لها في الخارج ، كما يفهم منها أتباع الرسل. فهذا إيمان هذه الطائفة ـ الذليلة الحقيرة ـ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وهذه هي أصول الدين الخمسة.
وقد أبدلتها المعتزلة بأصولهم الخمسة التي هدموا بها كثيرا من الدين : فإنهم بنوا أصل دينهم على الجسم والعرض ، الذي هو الموصوف والصفة عندهم ، واحتجوا بالصفات التي هي الأعراض ، على حدوث الموصوف الذي هو الجسم ، وتكلموا في التوحيد على هذا الأصل ، فنفوا عن الله كل صفة ، تشبيها بالصفات الموجودة في الموصوفات التي هي الأجسام ، ثم تكلموا بعد ذلك في أفعاله التي هي القدر ، وسموا ذلك «العدل» ، ثم تكلموا في النبوة والشرائع والأمر والنهي والوعد والوعيد ، وهي مسائل الأسماء والأحكام ، التي هي المنزلة بين المنزلتين ، ومسألة إنقاذ الوعيد ، ثم تكلموا في إلزام الغير بذلك ، الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن