لأمر ربهم. وأما امتناع إبليس ، فإنه عارض النص برأيه وقياسه الفاسد بأنه خير منه ، وهذه المقدمة الصغرى ، والكبرى محذوفة ، تقديرها : والفاضل لا يسجد للمفضول! وكلتا المقدمتين فاسدة : أما الأولى : فإن التراب يفوق النار في أكثر صفاته ، ولهذا خان إبليس عنصره ، فأبى واستكبر ، فإن من صفات النار طلب العلوّ والخفة والطيش والرعونة ، وإفساد ما تصل إليه ومحقه وإهلاكه وإحراقه ، ونفع آدم عنصره ، في التوبة والاستكانة ، والانقياد والاستسلام لأمر الله ، والاعتراف وطلب المغفرة ، فإن من صفات التراب الثبات والسكون والرصانة ، والتواضع والخضوع والخشوع والتذلل ، وما دنا منه ينبت ويزكو ، وينمي ويبارك فيه ، ضد النار. وأما المقدمة الثانية ، وهي : أن الفاضل لا يسجد المفضول ـ : فباطلة ، فإن السجود طاعة لله وامتثال لأمره ، ولو أمر الله عباده أن يسجدوا لحجر لوجب عليهم الامتثال والمبادرة ، ولا يدل ذلك على أن المسجود له أفضل من الساجد ، وإن كان فيه تكريمه وتعظيمه ، وإنما يدل على فضله. قالوا : وقد يكون قوله : (هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ) الاسراء : ٦٢ ، بعد طرده لامتناعه عن السجود له ، لا قبله ، لينتفي الاستدلال به.
ومنه : أن الملائكة لهم عقول وليست لهم شهوات ، والأنبياء لهم عقول وشهوات ، فلما نهوا أنفسهم عن الهوى ، ومنعوها عما تميل إليه الطباع ، كانوا بذلك أفضل. وقال الآخرون : يجوز أن يقع [من الملائكة] [من] مداومة الطاعة وتحمل العبادة وترك الونى والفتور فيها ـ : ما يفي بتجنب الأنبياء شهواتهم ، مع طول مدة عبادة الملائكة. ومنه : أن الله تعالى جعل [الملائكة] رسلا الى الأنبياء ، وسفراء بينه وبينهم. وهذا الكلام قد اعتل به من قال : إن الملائكة أفضل ، واستدلالتهم به أقوى ، فإن الأنبياء المرسلين ، إن ثبت تفضيلهم على المرسل إليهم بالرسالة ، ثبت تفضيل الرسل من الملائكة إليهم عليهم ، فإن الرسول الملكي يكون رسولا الى الرسول البشري.
ومنه : قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) البقرة : ٣١ ، الآيات. قال الآخرون : وهذا دليل على الفضل لا على التفضيل ، وآدم والملائكة لا يعلمون إلا ما علّمهم الله ، وليس الخضر أفضل من موسى ، بكونه علم ما لم يعلمه موسى ،