لا دعيت فوق منزلتي ، ولست ممن يدعي ذلك. أجاب الآخرون : انّ الكفار كانوا قد قالوا : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) الفرقان : ٧. فأمر أن يقول لهم : إني بشر مثلكم أحتاج الى ما يحتاج إليه البشر من الاكتساب والأكل والشرب ، لست من الملائكة الذين لم يجعل الله لهم حاجة الى الطعام والشراب ، فلا يلزم حينئذ الأفضلية المطلقة.
ومنه ما روى مسلم بإسناده ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المؤمن القويّ خير وأحبّ الى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير» (٣٥٤). ومعلوم أن قوة البشر لا تداني قوة الملك ولا تقاربها. قال الآخرون : [الظاهر] أن المراد المؤمن من البشر ـ والله أعلم ـ فلا تدخل الملائكة في هذا العموم.
ومنه ما ثبت في «الصحيح» عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال فيما يروي عن ربه عزوجل ، قال : «يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملاء خير منهم ،» (٣٥٥) الحديث. وهذا نص في الأفضلية. قال الآخرون : يحتمل أن يكون المراد خيرا منه للمذكور لا الخيرة المطلقة.
ومنه ما رواه إمام الأئمة محمد بن خزيمة ، بسنده في كتاب «التوحيد» عن أنس رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بينا أنا جالس إذ جاء جبرائيل ، فوكز بين كتفيّ ، فقمت الى شجرة مثل وكري الطير ، فقعد في إحداها ، وقعدت في الأخرى ، فسمت وارتفعت حتى سدّت الخافقين ، وأنا أقلّب بصري ، ولو شئت أن أمسّ السماء مسست ، فنظرت إلى جبرائيل كأنه حلس لاطئ ، فعرفت فضل علمه بالله [عليّ]» (٣٥٦) ، الحديث. قال الآخرون : في سنده [مقال] فلا نسلم الاحتجاج به إلا بعد ثبوته.
__________________
(٣٥٤) وهو طرف حديث عند مسلم (٨ / ٥٦) ، وهو مخرج في «ظلال الجنة» (٣٥٦).
(٣٥٥) صحيح ، لإخراج الشيخين له ، وهو مخرج في «الصحيحة» تحت الحديث (٢٢٨٧).
(٣٥٦) ضعيف ، فيه الحارث بن عبيد الأيادي وهو ضعيف لسوء حفظه ، وقول الشيخ أحمد