بالكتاب والسنة والإجماع ، وفيهم من قد يظهر بعض ذلك حيث يمكنهم ، وهم يتظاهرون بالشهادتين. وأيضا : فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة ، والمحرمات الظاهرة المتواترة ، ونحو ذلك ؛ فإنه يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل كافرا مرتدّا. والنفاق والردة مظنتها البدع والفجور ، كما ذكره الخلّال في كتاب السنة ، بسنده الى محمد بن سيرين ، أنه قال : إنّ أسرع الناس ردة أهل الأهواء ، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) الانعام : ٦٨. ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنّا لا نكفر أحدا بذنب ، بل يقال : لا نكفرهم بكل ذنب ، كما تفعله (٣٦٣) الخوارج. وفرق بين النفي العامّ ونفي العموم. والواجب إنما هو نفي العموم ، مناقضة لقول الخوارج الذين يكفرون بكل ذنب. ولهذا ـ والله أعلم ـ قيده الشيخ رحمهالله [بقوله] : ما لم يستحله. وفي قوله : ما لم يستحله إشارة الى أن مراده من هذا النفي العام لكل ذنب [من] الذنوب العملية لا العلمية. وفيه إشكال فإن الشارع لم يكتف من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العمل ، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل ، وليس العمل مقصورا على عمل الجوارح ، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح ، وأعمال الجوارح تبع. إلا أن يضمن قوله : يستحله بمعنى : يعتقده ، أو نحو ذلك.
وقوله : ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله ... إلى آخر كلامه ، ردّ على المرجئة ، فإنهم يقولون : لا يضر مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة. فهؤلاء في طرف ، والخوارج في طرف ، فإنهم يقولون نكفّر المسلم بكل ذنب ، أو بكل ذنب كبير ، وكذلك المعتزلة الذين يقولون يحبط إيمانه كله بالكبيرة ، فلا يبقى معه شيء من الإيمان. لكن الخوارج يقولون : يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر! والمعتزلة يقولون : يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر ، وهذه المنزلة بين المنزلتين!! وبقولهم بخروجه من الإيمان أوجبوا له الخلود في النار! وطوائف من أهل
__________________
(٣٦٣) في الاصل : يفعله.