والله لا يغفر الله لك ، أو لا يدخلك [الله] الجنة فقبض أرواحهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد : أكنت بي عالما؟ أو كنت على ما في يديّ قادرا؟ وقال للمذنب : اذهب فادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر : اذهبوا به الى النار. قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده ، لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته» (٣٦٤). وهو حديث حسن. ولأن الشخص المعين يمكن أن يكون مجتهدا مخطئا مغفورا له ، [ويمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص] ، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله ، كما غفر للذي قال : «إذا متّ فاسحقوني ثم اذروني ، ثم غفر الله له لخشيته» (٣٦٥) وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته ، أو شكّ في ذلك. لكن هذا التوقف في أمر الآخرة لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا ، لمنع بدعته ، وأن نستتيبه ، فإن تاب وإلا قتلناه. ثم إذا كان القول في نفسه كفرا قيل : إنه كفر والقائل له يكفر بشروط وانتفاء موانع ، ولا يكون ذلك إلا [إذا] صار منافقا زنديقا. فلا يتصور أن يكفّر أحد من أهل القبلة المظهرين الإسلام إلا من يكون منافقا زنديقا. وكتاب الله يبين ذلك ، فإن الله صنّف الخلق فيه ثلاثة أصناف : صنف : كفار من المشركين ومن أهل الكتاب ، وهم الذين لا يقرون بالشهادتين. وصنف : المؤمنون باطنا وظاهرا. وصنف أقرّوا به ظاهرا لا باطنا. وهذه الأقسام الثلاثة مذكورة في أول سورة البقرة. وكل من ثبت أنه كافر في نفس الأمر وكان مقرا بالشهادتين. فإنه لا يكون إلا زنديقا ، والزنديق هو المنافق.
وهنا يظهر غلط الطرفين ، فإنه من كفّر كلّ من قال القول المبتدع في الباطن ، يلزمه أن يكفّر أقواما ليسوا في الباطن منافقين ، بل هم في الباطن يحبون الله ورسوله ويؤمنون بالله ورسوله وإن كانوا مذنبين ، كما ثبت في «صحيح» البخاري ، عن أسلم مولى عمر [رضي الله عنه] ، عن عمر : أن رجلا كان على عهد النبي صلىاللهعليهوسلم كان اسمه : عبد الله ، وكان يلقب : حمارا ، وكان يضحك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكان
__________________
(٣٦٤) حسن كما قال المؤلف رحمهالله تعالى ، وفيه عكرمة بن عمار ، احتج به مسلم ، وفيه ضعف.
(٣٦٥) صحيح أخرجه البخاري وغيره.