فدل على أنه ليس بمرتد. وقد ثبت في «الصحيح» عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلّله منه اليوم ، قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ، ثم ألقي في النار» (٣٧٨). أخرجاه في «الصحيحين». فثبت أن الظالم يكون له حسنات يستوفي المظلوم منها حقه. وكذلك ثبت في «الصحيح» عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما تعدّون المفلس فيكم؟ قالوا : المفلس فينا من لا له درهم ولا دينار ، قال : المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الحبال ، [فيأتي] وقد شتم هذا ، وأخذ مال هذا ، وسفك دم هذا ، وقذف هذا ، وضرب هذا ، فيقتصّ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإذا فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار» (٣٧٩). رواه مسلم. وقد قال تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) هود : ١١٥. فدل ذلك على أنه في حال إساءته يعمل (٣٨٠) حسنات تمحو سيئاته. وهذا مبسوط في موضعه.
والمعتزلة موافقون للخوارج هنا في حكم الآخرة ، فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار ، لكن قالت الخوارج : نسميه كافرا ، وقالت المعتزلة : نسميه فاسقا ، فالخلاف بينهم لفظي فقط. وأهل السنة أيضا متفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب ، كما وردت به النصوص. لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب ، ولا ينفع مع الكفر طاعة! وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة ، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة ـ : تبين لك فساد القولين! ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى.
__________________
(٣٧٨) اخرجه البخاري في «المظالم» و «الرقاق» من حديث ابي هريرة دون قوله : «ثم القي ..» وكذلك رواه احمد (٢ / ٤٣٥ و ٥٠٦) ولم اره في «صحيح مسلم». وانظر «أحكام الجنائز» (ص ٤).
(٣٧٩) رواه مسلم وغيره من حديث ابي هريرة ، وهو مخرج في «الصحيحة» (٨٤٧).
(٣٨٠) في الاصل : يفعل.