تعالى : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) النساء : ٤٨ ، ١١٦. فإن كان ممن لم يشأ الله أن يغفر له لعظم جرمه ، فلا بدّ من دخوله الى الكير ، ليخلص طيب إيمانه من خبث معاصيه ، فلا يبقى في النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان ، بل من قال : لا إله إلا الله ، كما تقدم من حديث أنس رضي الله عنه (٣٩٢). وإذا كان الأمر كذلك ، امتنع القطع لأحد معين من الأمة ، غير من شهد له الرسول صلىاللهعليهوسلم بالجنة ، ولكن نرجو للمحسنين ، ونخاف عليهم.
قوله : (والأمن والاياس ينقلان عن ملة الاسلام ، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة).
ش : يجب أن يكون العبد خائفا راجيا ، فإن الخوف المحمود الصادق : ما حال بين صاحبه وبين محارم الله ، فإذا تجاوز ذلك خيف منه اليأس والقنوط. والرجاء المحمود : رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله ، فهو راج لثوابه ، أو رجل أذنب ذنبا ثم تاب منه الى الله ، فهو راج لمغفرته. قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ ، وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) البقرة : ٢١٨. أما إذا كان الرجل متماديا في التفريط والخطايا ، يرجو رحمة الله بلا عمل ، فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب. قال : أبو علي الروذباري رحمهالله : الخوف والرجاء كجناحي الطائر ، اذا استويا استوى الطير وتم طيرانه ، واذا نقص أحدهما وقع فيه النقص ، واذا ذهبا صار الطائر في حدّ الموت. وقد مدح الله أهل الخوف والرجاء بقوله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ) الزمر : ٩ ، الآية. وقال : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ ، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) السجدة : ١٦ ، الآية. فالرجاء يستلزم الخوف ، ولو لا ذلك لكان أمنا ، والخوف يستلزم الرجاء ، ولو لا ذلك لكان قنوطا ويأسا. وكل أحد اذا خفته هربت منه ، إلا الله تعالى ، فإنك إذا خفته هربت إليه ، فالخائف هارب من ربه الى ربه. وقال صاحب «منازل السائرين» رحمهالله : الرجاء أضعف منازل المريد. وفي كلامه نظر ، بل الرجاء والخوف على
__________________
(٣٩٢) متفق عليه
.