عن ذكرها اختصارا ، ذكر هذه المذاهب أبو المعين النسفي (٣٩٥) في «تبصرة الأدلة» وغيره.
وحاصل الكل [يرجع] الى أن الإيمان : إما أن يكون ما يقوم بالقلب واللسان وسائر الجوارح ، كما ذهب إليه جمهور السلف من الأئمة الثلاثة وغيرهم رحمهمالله ، كما تقدم ، أو بالقلب واللسان دون الجوارح ، كما ذكره الطحاوي عن أبي حنيفة وأصحابه رحمهمالله. أو باللسان وحده ، كما تقدم ذكره عن الكرامية. أو بالقلب وحده ، وهو إما المعرفة ، كما قاله الجهم ، أو التصديق كما قاله أبو منصور الماتريدي رحمهالله. وفساد قول الكرامية والجهم بن صفوان ظاهر.
والاختلاف الذي بين أبي حنيفة والأئمة الباقين من أهل السنة ـ اختلاف صوريّ. فإن كون أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب ، أو جزءا من الإيمان ، مع الاتفاق على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان ، بل هو في مشيئة الله ، إن شاء عذبه ، وإن شاء عفا عنه ـ : نزاع لفظي ، لا يترتب عليه فساد اعتقاد. والقائلون بتكفير تارك الصلاة ، ضموا الى هذا الأصل أدلة أخرى. وإلا فقد نفى النبي صلىاللهعليهوسلم الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والمنتهب ، ولم يوجب ذلك زوال اسم الإيمان عنهم بالكلية ، اتفاقا. ولا خلاف بين أهل السنة أن الله تعالى أراد من العباد القول والعمل ، وأعني بالقول : التصديق بالقلب والإقرار باللسان ، وهذا الذي يعنى به عند إطلاق قولهم : الإيمان قول وعمل. لكن هذا المطلوب من العباد : هل يشمله اسم الإيمان؟ أم الإيمان أحدهما ، وهو القول وحده ، والعمل مغاير له لا يشمله اسم الإيمان عند إفراده بالذكر ، وإن أطلق عليهما كان مجازا؟ هذا محل النزاع.
وقد أجمعوا على أنه لو صدق بقلبه وأقر بلسانه ، وامتنع عن العمل بجوارحه ـ : [أنه] عاص لله ورسوله ، مستحق للوعيد ، لكن فيمن يقول : إن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان من قال : لما كان الإيمان شيئا واحدا فإيماني كإيمان أبي بكر
__________________
(٣٩٥) هو ميمون بن محمد بن محمد أبو المعين النسفي الحنفي عالم بالاصول والكلام كان بسمرقند وسكن بخارى. له كتب عدة (٤١٨ ـ ٥٠٨).