الصديق وعمر رضي الله عنهما! بل قال : كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبرائيل وميكائيل عليهمالسلام!! وهذا غلوّ منه. فإن الكفر مع الإيمان كالعمى مع البصر ، ولا شك أن البصراء يختلفون في قوة البصر وضعفه ، فمنهم الأخفش والأعشى ، و [من] يرى الخط الثخين ، دون الدقيق (٣٩٦) إلا بزجاجة ونحوها ، ومن يرى عن قرب زائد على العادة ، وآخر بضده.
ولهذا ـ والله أعلم ـ قال الشيخ رحمهالله : وأهله في أصله سواء ، يشير الى أن التساوي إنما هو في أصله (٣٩٧) ، ولا يلزم منه التساوي من كل وجه ، بل تفاوت [درجات] نور «لا إله إلا الله» في قلوب أهلها لا يحصيها إلا الله تعالى : فمن الناس من نور [«لا إله إلا الله»] في قلبه كالشمس ، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري ، وآخر كالمشعل العظيم ، وآخر كالسراج المضيء ، وآخر كالسراج الضعيف. ولهذا تظهر الأنوار يوم القيامة بأيمانهم وبين أيديهم على هذا المقدار ، بحسب ما في قلوبهم من نور الإيمان والتوحيد علما وعملا ، وكلما اشتد نور هذه الكلمة وعظم أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته ، بحيث إنه ربما وصل الى حال لا يصادف شهوة ولا شبهة ولا ذنبا إلا أحرقه ، وهذه حال الصادق في توحيده ، فسماء إيمانه قد حرس بالرجوم من كل سارق. ومن عرف هذا عرف معنى قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله» (٣٩٨) ، وقوله : «لا يدخل النار من قال : لا إله إلا الله» (٣٩٩) ، وما جاء من هذا النوع من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس ، حتى ظنها بعضهم منسوخة ، وظنها بعضهم قبل ورود الأوامر والنواهي ، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار ، وأوّل بعضهم الدخول بالخلود ، ونحو ذلك. والشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلا بمجرد قول اللسان فقط ، فإن هذا
__________________
(٣٩٦) في الاصل : الرفيع.
(٣٩٧) في الاصل : العلم.
(٣٩٨) متفق عليه من حديث عتبان بن مالك.
(٣٩٩) متفق عليه ، نحوه من حديث عتبان.