من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام ، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم ، وهم تحت الجاحدين في الدرك الأسفل من النار ، فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها ، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب. وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ، ويقابلها تسعة وتسعون سجلا ، كل سجلّ منها مدّ البصر ، فنقل البطاقة ، وتطيش السجلات ، فلا يعذب صاحبها (٤٠٠). ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة ، وكثير منهم يدخل النار. وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان ، التي لم تشغله عند السياق عن السير الى القرية ، وحملته وهو في تلك الحال أن جعل ينوء بصدره وهو يعالج سكرات الموت وتأمل ما قام بقلب البغي من الإيمان ، حيث نزعت موقها وسقت الكلب من الركية ، فغفر لها. وهكذا العقل أيضا ، فإنه يقبل التفاضل ، وأهله في أصله سواء ، مستوون في أنهم عقلاء غير مجانين ، وبعضهم أعقل من بعض. وكذلك الإيجاب والتحريم ، فيكون إيجاب دون إيجاب ، وتحريم دون تحريم. هذا هو الصحيح ، وإن كان بعضهم قد طرد ذلك في العقل والوجوب.
وأما زيادة الإيمان من جهة الإجمال والتفصيل ـ : فمعلوم أنه لا يجب في أول الأمر ما وجب بعد نزول القرآن كله ، ولا يجب على كل أحد من الإيمان المفصل مما أخبر به الرسول ما يجب على من بلغه خبره ، كما في حق النجاشي وأمثاله. وأما الزيادة بالعمل والتصديق ، المستلزم لعمل القلب والجوارح ـ : [فهو] أكمل من التصديق الذي لا يستلزمه ، فالعلم الذي يعمل به صاحبه أكمل من العلم الذي لا يعمل به ، فإذا لم يحصل اللازم دل على ضعف الملزوم. ولهذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليس المخبر كالمعاين» (٤٠١) وموسى عليهالسلام لما أخبر أن قومه عبدوا العجل لم يلق الألواح ، فلما رآهم قد عبدوه ألقاها ، وليس ذلك لشك موسى في خبر الله ،
__________________
(٤٠٠) صحيح ، وهو من حديث عبد الله بن عمرو ، اخرجه احمد والترمذي وغيرهما ، وهو مخرج في الاحاديث الصحيحة» (١٣٥) وغيره ، وسيأتي لفظ الحديث في الكتاب (برقم ٥٦٧).
(٤٠١) صحيح ، اخرجه أحمد (١ / ٢١٥ ، ٢٧١) والطبراني والخطيب وغيرهم بسند صحيح بلفظ : «ليس الخبر كالمعاينة» وانظر «تخريج المشكاة» (٥٧٣٨).