لكن المخبر ، وإن جزم بصدق المخبر ، فقد لا يتصور [المخبر به نفسه ، كما يتصوره] إذا عاينه ، كما قال إبراهيم الخليل صلوات الله على نبينا محمد وعليه : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى. قالَ : أَوَلَمْ تُؤْمِنْ؟ قالَ : بَلى. وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) البقرة : ٢٦٠. وأيضا : فمن وجب عليه الحج والزكاة مثلا ، يجب عليه [من] الإيمان أن يعلم ما أمر به ، ويؤمن بأن الله أوجب عليه ما لا يجب على غيره [الإيمان به] إلا مجملا ، وهذا يجب عليه فيه الإيمان المفصل. وكذلك الرجل أول ما يسلم ، إنما يجب عليه الإقرار المجمل ، ثم إذا جاء وقت الصلاة كان عليه أن يؤمن بوجوبها. ويؤديها ، فلم يتساو الناس فيما أمروا به من الإيمان. ولا شك أن من قام بقلبه التصديق الجازم ، الذي لا يقوى على معارضته شهوة ولا شبهة ـ : لا تقع معه معصية ، ولو لا ما حصل له من الشهوة والشبهة أو إحداهما لما عصى ، بل يشتغل قلبه ذلك الوقت بما يواقعه من المعصية ، فيغيب عنه التصديق والوعيد فيعصي. ولهذا ـ والله أعلم ـ قال صلىاللهعليهوسلم : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» (٤٠٢) ، الحديث. فهو حين يزني يغيب عنه تصديقه بحرمة الزنا ، وإن بقي أصل التصديق في قلبه ، ثم يعاوده. فإن المتقين كما وصفهم الله بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) الاعراف : ٢٠١. قال ليث عن مجاهد : هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه. والشهوة والغضب مبدأ السيئات ، [فإذا أبصر رجع. ثم قال تعالى : (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) الاعراف : ٢٠٢ ، أي : وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي ثم لا يقصرون. قال ابن عباس : لا الإنس تقصر عن السيئات] ، ولا الشياطين تمسك عنهم. فإذا لم يبصر بقي قلبه في عمى ، والشيطان يمده في غيّه ، وإن كان التصديق في قلبه لم يكذب ، فذلك النور والإبصار ، وتلك الخشية والخوف تخرج من قلبه. وهذا كما أن الإنسان يغمض عينه فلا يرى ، وإن لم يكن أعمى ، فكذلك القلب ، بما يغشاه من رين الذنوب ، لا يبصر الحق وإن لم يكن أعمى
__________________
(٤٠٢) متفق عليه وقد مضى الحديث (برقم ٣٧٣).