كعمى الكافر. وجاء هذا المعنى مرفوعا الى النبي صلىاللهعليهوسلم : أنه قال : «إذا زنا العبد نزع منه الإيمان ، فإذا تاب أعيد إليه» (٤٠٣).
إذا كان النزاع في هذه المسألة بين أهل السنة نزاعا لفظيّا ، فلا محذور فيه ، سوى ما يحصل من عدوان إحدى الطائفتين على الأخرى والافتراق بسبب ذلك ، وأن يصير ذلك ذريعة الى بدع أهل الكلام المذموم من أهل الإرجاء ونحوهم ، والى ظهور الفسق والمعاصي ، بأن يقول : أنا مؤمن مسلم حقّا كامل الإيمان والإسلام ولي من أولياء الله! فلا يبالي بما يكون منه من المعاصي. وبهذا المعنى قالت المرجئة : لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله! وهذا باطل قطعا. فالإمام أبو حنيفة رضي الله عنه نظر الى حقيقة الإيمان لغة مع أدلة من كلام الشارع. وبقية الأئمة رحمهمالله نظروا الى حقيقته في عرف الشارع ، فإن الشارع ضم الى التصديق أوصافا وشرائط ، كما في الصلاة والصوم والحج ونحو ذلك.
فمن أدلة الأصحاب لأبي حنيفة رحمهالله : أن الإيمان في اللغة عبارة عن التصديق ، قال تعالى خبرا عن إخوة يوسف : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) يوسف : ١٧ ، أي بمصدق لنا ، ومنهم من ادعى إجماع أهل اللغة على ذلك. ثم هذا المعنى اللغوي ، وهو التصديق بالقلب ، هو الواجب على العبد حقّا لله ، وهو أن يصدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما جاء به من عند الله ، فمن صدق الرسول فيما جاء به من عند الله فهو مؤمن فيما بينه وبين الله تعالى ، والإقرار شرط إجراء أحكام الإسلام في الدنيا. هذا على أحد القولين ، كما تقدم ، ولأنه ضد الكفر ، وهو التكذيب والجحود ، وهما يكونان بالقلب ، فكذا ما يضادّهما. وقوله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) النحل : ١٠٦ ، يدل على أن القلب هو موضع الإيمان ، لا اللسان ، ولأنه لو كان مركبا من قول وعمل ، لزال كله بزوال جزئه ، ولأن العمل قد عطف على الإيمان ، والعطف يقتضي المغايرة ، قال تعالى : (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) البقرة : ٢٥ وغيرها ، في مواضع من القرآن.
__________________
(٤٠٣) صحيح ، اخرجه ابو داود والحاكم وصححه هو والذهبي ، وهو مخرج في «الصحيحة» (٥٠٩)
.