يصدّق ذلك ويكذبه» (٤٠٤). وقال الحسن البصري رحمهالله : ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ، ولكنه ما وقر في الصدور وصدقته الأعمال. ولو كان تصديقا فهو تصديق مخصوص ، كما في الصلاة ونحوها كما قد تقدم ، وليس هذا نقلا للفظ ولا تغييرا له ، فإن الله لم يأمرنا بإيمان مطلق ، بل بإيمان خاص ، وصفه وبيّنه. فالتصديق الذي هو الإيمان ، أدنى أحواله أن يكون نوعا من التصديق العام ، فلا يكون مطابقا له في العموم والخصوص ، من غير تغير اللسان ولا قلبه ، بل يكون الإيمان في كلام الشارع مؤلفا من العام والخاص ، كالإنسان الموصوف بأنه حيوان ناطق. ولأن التصديق التام القائم بالقلب مستلزم لما وجب من أعمال القلب والجوارح ، فإن هذه من لوازم الإيمان التام ، وانتقاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم. ونقول : إن هذه لوازم تدخل في مسمى اللفظ تارة ، وتخرج عنه أخرى ، أو إن اللفظ باق على معناه في اللغة ، ولكن الشارع زاد فيه أحكاما ، أو أن يكون الشارع استعمله في معناه المجازي ، فهو حقيقة شرعية ، مجاز لغوي ، أو أن يكون قد نقله الشارع (٤٠٥). وهذه الأقوال لمن سلك هذا الطريق.
وقالوا : إن الرسول قد وافقنا على معاني الإيمان ، وعلمنا من مراده علما ضروريّا أن من قيل إنّه صدّق ولم يتكلم بلسانه بالإيمان ، مع قدرته على ذلك ، ولا صلى ، ولا صام ، ولا أحب الله ورسوله ، ولا خاف الله بل كان مبغضا للرسول ، معاديا له يقاتله ـ : أن هذا ليس بمؤمن. كما علمنا أنه رتّب الفوز والفلاح على التكلم بالشهادتين مع الإخلاص والعمل بمقتضاهما. فقد قال صلىاللهعليهوسلم : «الإيمان بضع وسبعون شعبة ، أعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» (٤٠٦). وقال أيضا صلىاللهعليهوسلم : «الحياء شعبة من الإيمان» (٤٠٧). وقال أيضا صلىاللهعليهوسلم : «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا» (٤٠٨).
__________________
(٤٠٤) متفق عليه وتقدم.
(٤٠٥) قال عفيفي : انظر ص ٢٩٠ ـ ٢٩٦ من كتاب الايمان ج ٧ من مجموع الفتاوى.
(٤٠٦) متفق عليه من حديث ابي هريرة ، واللفظ لمسلم باختلاف يسير. وهو مخرج في الصحيحة» (١٧٦٩ ـ المجلد الرابع) وهو تحت الطبع.
(٤٠٧) متفق عليه ، وهو طرف من الحديث الذي قبله.
(٤٠٨) صحيح ، رواه ابن داود وابن حبان والحاكم واحمد وغيرهم.