وقال أيضا صلىاللهعليهوسلم : «البذاذة من الإيمان» (٤٠٩). فإذا كان الإيمان أصلا له شعب متعددة ، وكل شعبة منها تسمى : إيمانا ، فالصلاة من الإيمان ، وكذلك الزكاة والصوم والحج ، والأعمال الباطنة ، كالحياء والتوكل والخشية من الله والإنابة إليه ، حتى تنتهي هذه الشعب الى إماطة الأذى عن الطريق ، فإنه من شعب الإيمان. وهذه الشّعب ، منها ما يزول الإيمان بزوالها [إجماعا] ، كشعبة الشهادتين ، ومنها ما لا يزول بزوالها إجماعا ، كترك إماطة الأذى عن الطريق ، وبينهما شعب متفاوتة تفاوتا عظيما ، منها ما يقرب من شعبة الشهادة ، ومنها ما يقرب من شعبة إماطة الأذى. وكما أن شعب الإيمان إيمان ، فكذا شعب الكفر كفر ، فالحكم بما أنزل الله ـ مثلا ـ من شعب الايمان ، والحكم بغير ما أنزل الله كفر. وقد قال صلىاللهعليهوسلم : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان» (٤١٠). رواه مسلم. وفي لفظ : «ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل». وروى الترمذي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ـ : فقد استكمل الإيمان» (٤١١). ومعناه ـ والله أعلم ـ أن الحب والبغض أصل حركة القلب ، وبذل المال ومنعه هو كمال ذلك ، فإن المال آخر المتعلقات بالنفس ، والبدن متوسط بين القلب والمال ، فمن كان أول أمره وآخره كله لله ، كان الله إلهه في كل شيء ، فلم يكن فيه شيء من الشرك ، وهو إرادة غير الله وقصده ورجاؤه ، فيكون مستكملا الإيمان. الى غير ذلك من الأحاديث الدالة على قوة الإيمان وضعفه بحسب العمل.
وسيأتي في كلام الشيخ رحمهالله في شأن الصحابة رضي الله عنهم : وحبهم دين وإيمان وإحسان ، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان. فسمى حب الصحابة إيمانا ، وبغضهم كفرا.
__________________
(٤٠٩) حسن. رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم وأحمد والطبراني ، وهو مخرج في «الصحيحة» (٣٤١). والمراد «البذاذة» التواضع في اللباس ، وترك التبجح به.
(٤١٠) مسلم باللفظين ، وهو مخرج في «تخريج مشكلة الفقر» (٦٦) و «صحيح أبي داود» (١٠٣٤).
(٤١١) صحيح. وهو مخرج في «تخريج المشكاة» (٣٠ ـ ٣١) ، و «الصحيحة» (٣٨٠).