على مراتب : أعلاها : أن يكونا متباينين ، ليس أحدهما هو الآخر ، ولا جزءا منه ، ولا بينهما تلازم ، كقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) الانعام : ١. (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) آل عمران : ٣. وهذا هو الغالب ، ويليه : أن يكون بينهما تلازم ، كقوله تعالى : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة : ٤٢. (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) المائدة : ٩٢. الثالث : عطف بعض الشيء عليه ، كقوله تعالى : (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) البقرة : ٢٣٨. (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) البقرة : ٩٨ ([وَإِذْ أَخَذْنا] مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ) الاحزاب : ٧. وفي مثل هذا وجهان : أحدهما : أن يكون داخلا في الأول ، فيكون مذكورا مرتين. والثاني : أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخلا فيه هنا ، وإن كان داخلا فيه منفردا ، كما قيل مثل ذلك في لفظ «الفقراء والمساكين» ونحوهما ، تتنوع دلالته بالإفراد والاقتران. الرابع : عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين ، كقوله تعالى : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) غافر : ٣. وقد جاء في الشعر العطف لاختلاف اللفظ فقط ، كقوله :
* فألفى قولها كذبا ومينا
ومن الناس من زعم أن في القرآن من ذلك قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) المائدة : ٤٨. والكلام على ذلك معروف في موضعه.
فإذا كان العطف في الكلام يكون على هذه الوجوه ، نظرنا في كلام الشارع : كيف ورد فيه الإيمان فوجدناه إذا أطلق يراد به ما يراد بلفظ البر ، والتقوى ، والدّين ، ودين الإسلام. ذكر في أسباب النزول أنهم سألوا عن الإيمان؟ فأنزل الله هذه الآية : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) البقرة : ١٧٧ ، الآيات. قال محمد بن نصر : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، والملائي ، قالا : حدثنا المسعودي ، عن القاسم ، قال : جاء رجل الى أبي ذر رضي الله عنه ، فسأله عن الإيمان؟ فقرأ : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) البقرة : ١٧٧ ، إلى آخر الآية ، فقال الرجل : ليس عن هذا سألتك ، فقال : جاء