دينكم» (٤٢٨). فجعل الدين هو الإسلام والإيمان والإحسان ، فتبين أن ديننا يجمع الثلاثة. لكن هو درجات ثلاثة : مسلم ، ثم مؤمن ، ثم محسن. والمراد بالإيمان ما ذكر مع الإسلام قطعا ، كما أنه أريد بالإحسان ما ذكر مع الإيمان والاسلام ، لا أن الإحسان يكون مجردا عن الإيمان. هذا محال. وهذا كما قال تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا. فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ. وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ. وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ) فاطر : ٣٢. والمقتصد والسابق كلاهما يدخل الجنة بلا عقوبة ، بخلاف الظالم لنفسه ، فإنه معرض للوعيد. وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق بالقلب ، لكن لم يقم بما يجب عليه من الإيمان الباطن فإنه معرض للوعيد. فأما الإحسان فهو أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله ، والإيمان أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله من الإسلام. فالإحسان يدخل فيه الايمان ، والايمان يدخل فيه الاسلام ، والمحسنون أخص من المؤمنين ، والمؤمنون أخص من المسلمين. وهذا كالرسالة والنبوة ، فالنبوة داخلة في الرسالة ، والرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها ، فكل رسول نبي ، ولا ينعكس.
وقد صار الناس في مسمى الاسلام على ثلاثة أقوال : فطائفة جعلت الإسلام هو الكلمة ، وطائفة أجابوا بما أجاب به النبي صلىاللهعليهوسلم حين سئل عن الإسلام والإيمان ، حيث فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، والإيمان [بالإيمان] بالأصول الخمسة (٤٢٩). وطائفة جعلوا الإسلام مرادفا للإيمان ، وجعلوا معنى قول الرسول صلىاللهعليهوسلم : «الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة» (٤٣٠) ، الحديث ـ : شعائر الإسلام. والأصل عدم التقدير ، مع أنهم قالوا : إن الإيمان هو التصديق بالقلب ، ثم قالوا الإسلام والإيمان شيء واحد ، فيكون الإسلام هو التصديق! وهذا لم يقله أحد من أهل اللغة ، وإنما هو الانقياد والطاعة ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اللهم لك
__________________
(٤٢٨) اخرجه مسلم من حديث ابن عمر ، والبخاري من حديث ابي هريرة نحوه.
(٤٢٩) مسلم ، وهو حديث جبريل المتقدم آنفا.
(٤٣٠) متفق عليه.