أسلمت وبك آمنت» (٤٣١). وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ، والإيمان بالإيمان بالأصول الخمسة. فليس لنا إذا جمعنا بينهما أن نجيب بغير ما أجاب النبي صلىاللهعليهوسلم. وأما إذا أفرد اسم الإيمان فانه يتضمن الإسلام ، وإذا أفرد الإسلام فقد يكون مع الإسلام مؤمنا بلا نزاع ، وهذا هو الواجب ، وهل يكون مسلما ولا يقال له مؤمن؟ وقد تقدم الكلام فيه.
وكذلك هل يستلزم الإسلام الإيمان؟ فيه النزاع المذكور. وإنما وعد الله بالجنة في القرآن وبالنجاة من النار باسم الإيمان ، كما قال تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) يونس : ٦٢ ـ ٦٣. وقال تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) الحديد : ٢١ وأما اسم الإسلام مجردا فما علق به في القرآن دخول الجنة ، لكنه فرضه وأخبر أنه دينه الذي لا يقبل من أحد سواه ، وبه بعث النبيين ، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) آل عمران : ٨٥.
فالحاصل أن حالة اقتران الإسلام بالإيمان غير حالة إفراد أحدهما عن الآخر ، فمثل الاسلام من الايمان ، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى ، فشهادة الرسالة غير شهادة الوحدانية ، فهما شيئان في الأعيان وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم ، كشيء واحد. كذلك الاسلام والايمان ، لا إيمان لمن لا إسلام له ، ولا إسلام لمن لا إيمان [له] ، إذ لا يخلو المؤمن من إسلام به يتحقق إيمانه ، ولا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه. ونظائر ذلك في كلام الله ورسوله وفي كلام الناس كثيرة ، أعني في الإفراد والاقتران ، منها : لفظ الكفر والنفاق ، فالكفر إذا ذكر مفردا في وعيد الآخرة دخل فيه المنافقون ، كقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) المائدة : ٥. ونظائره كثيرة. وإذا قرن بينهما كان الكافر من أظهر كفره ، والمنافق من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه. وكذلك لفظ البر والتقوى ، ولفظ الإثم والعدوان ، ولفظ التوبة والاستغفار ، ولفظ الفقير والمسكين ، وأمثال ذلك.
__________________
(٤٣١) متفق عليه من حديث ابن عباس. وهو طرف من دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم في استفتاح صلاة الليل. انظر «صفة الصلاة».