يستثنى من السلف في إيمانه ، وهو فاسد ، فإن الله تعالى قال : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) آل عمران : ٣١ ، فأخبر أنهم يحبهم إن اتبعوا الرسول ، فاتباع الرسول شرط المحبة ، والمشروط يتأخر عن الشرط ، وغير ذلك من الأدلة. ثم صار الى هذا القول طائفة غلوا فيه ، حتى صار الرجل منهم يستثني في الأعمال الصالحة ، يقول : صليت إن شاء الله! ونحو ذلك ، يعني القبول. ثم صار كثير منهم يستثنون في كل شيء ، فيقول أحدهم : هذا ثوب إن شاء الله! هذا حبل إن شاء الله! فإذا قيل لهم : هذا لا شك فيه؟ يقولون : نعم ، لكن إذا شاء الله أن يغيره غيره!! المأخذ الثاني : أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله ، وترك ما نهاه عنه كله ، فإذا قال الرجل : أنا مؤمن ، بهذا الاعتبار ـ : فقد شهد لنفسه أنه من الأبرار المتقين ، القائمين بجميع ما أمروا به ، وترك كل ما نهوا عنه ، فيكون من أولياء الله المقربين! وهذا مع تزكية الإنسان لنفسه ، ولو كانت هذه الشهادة صحيحة ، لكان ينبغي أن يشهد لنفسه بالجنة إن مات على هذه الحال. وهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون ، وإن جوّزوا ترك الاستثناء ، بمعنى آخر ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى. ويحتجون أيضا بجواز الاستثناء فيما لا شك فيه ، كما قال تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) الفتح : ٢٧. وقال صلىاللهعليهوسلم حين وقف على القابر : «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» (٤٣٧). وقال أيضا : «إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله» (٤٣٨). ونظائر هذا.
وأما من يحرمه ، فكل من جعل الإيمان شيئا واحدا ، فيقول : أنا أعلم أني مؤمن ، كما أعلم أني تكلمت بالشهادتين ، فقولي : أنا مؤمن ، كقولي : أنا مسلم ، فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه ، وسموا الذين يستثنون في إيمانهم الشكّاكة. وأجابوا عن الاستثناء الذي في قوله تعالى : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) الفتح : ٢٧ ـ بأنه يعود الى الأمن والخوف ، فأما الدخول فلا شك
__________________
(٤٣٧) اخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها انظر «احكام الجنائز وبدعها» (ص ١٨٩).
(٤٣٨) اخرجه مسلم ، والبخاري نحوه.