فيه! وقيل : لتدخلن جميعكم أو بعضكم ، لأنه علم أن بعضهم يموت! وفي كلا الجوابين نظر : فإنهم وقعوا فيما فروا منه ، فأما الأمن والخوف فقد أخبر أنهم يدخلون آمنين ، مع علمه بذلك ، فلا شك في الدخول ، ولا في الأمن ، ولا في دخول الجميع أو البعض ، فإن الله قد علم من يدخل فلا شك فيه أيضا ، فكان قول : إن شاء الله هنا تحقيقا للدخول ، كما يقول الرجل فيما عزم على شيء أن يفعله لا محالة : والله لأفعلنّ كذا إن شاء الله ، لا يقولها لشكّ في إرادته وعزمه ، ولكن إنما لا يحنث الحالف في مثل هذه اليمين لأنه لا يجزم بحصول مراده. وأجيب بجواب آخر لا بأس به ، وهو : أنه قال [ذلك] تعليما لنا كيف نستثني إذا أخبرنا عن مستقبل (٤٣٩). وفي كون هذا المعنى مرادا من النص ـ نظر فإنه ما سيق الكلام إلا أن يكون مرادا من إشارة النص. وأجاب الزمخشري بجوابين آخرين باطلين ، وهما : أن يكون الملك قد قاله ، فأثبت قرآنا! أو أن الرسول قاله!! [فعند هذا المسكين يكون من القرآن ما هو غير كلام الله! فيدخل في وعيد من قال : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) المدثر : ٢٥. نسأل الله العافية.
وأما من يجوز الاستثناء وتركه ، فهم أسعد بالدليل من الفريقين ، وخير الأمور أوسطها : فإن أراد المستثنى الشك في أصل إيمانه منه من الاستثناء ، وهذا مما [لا خلاف فيه. وإن أراد أنه مؤمن من المؤمنين الذين وصفهم الله في قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ، لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الانفال : ٢ ـ ٤ ، وفي قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) الحجرات : ١٥. فالاستثناء حينئذ جائز. وكذلك من استثنى وأراد عدم علمه بالعاقبة ، وكذلك من استثنى تعليقا للأمر بمشيئة الله ، لا شكّا في إيمانه. وهذا القول في القوة كما ترى.
__________________
(٤٣٩) قال عفيفي : انظر ص ٤٢٩ ـ ٤٦٠ من «مجموع الفتاوى» والصفحة ٣٣٦ ـ ٣٩٣ من كتاب «الايمان» طبع المكتب الاسلامي.