قوله : وجميع ما صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الشرع والبيان كله حق. يشير الشيخ رحمهالله بذلك الى الرد على الجهمية والمعطلة والمعتزلة والرافضة ، القائلين بأن الأخبار قسمان (٤٤٠) : متواتر وآحاد ، فالمتواتر ـ وإن كان قطعيّ السند ـ لكنه غير قطعي الدلالة ، فإن الأدلة اللفظية لا تفيد اليقين!! ولهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات! قالوا : والآحاد لا تفيد العلم ، ولا يحتج بها من جهة طريقها ، ولا من جهة متنها! فسدّوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول ، وأحالوا الناس على قضايا وهمية ، ومقدمات خيالية (٤٤١) ، سموها قواطع علقية ، وبراهين يقينية!! وهي في التحقيق (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً ، وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ ، وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٤٤٢). أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ ، إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ النور : ٣٩ ـ ٤٠. ومن العجب أنهم قدموها على نصوص الوحي ، وعزلوا لأجلها النصوص ، فأقفرت قلوبهم من الاهتداء بالنصوص ، ولم يظفروا (٤٤٣) بالعقول الصحيحة المؤيّدة بالفطرة السليمة والنصوص النبوية. ولو حكّموا نصوص الوحي لفازوا بالمعقول الصحيح ، الموافق للفطرة السليمة.
بل كل فريق من أرباب البدع يعرض النصوص على بدعته ، وما ظنه معقولا : فما وافقه قال : إنه محكم ، وقبله واحتج به!! وما خالفه قال : إنه متشابه ، ثم رده ، وسمى رده تفويضا! أو حرفه ، وسمى تحريفه تأويلا!! فلذلك اشتد إنكار أهل السنة عليهم.
وطريق أهل السنة : أن لا يعدلوا عن النص الصحيح ، ولا يعارضوه بمعقول ،
__________________
(٤٤٠) قال عفيفي : انظر ص ٤٤٦ من كتاب «الايمان».
(٤٤١) في الاصل : خالية.
(٤٤٢) قال عفيفي : انظر ص ٤٥٠ من كتاب «الايمان».
(٤٤٣) في الاصل : ولم يظفروا بقضايا.