ولا قول فلان ، كما أشار إليه الشيخ رحمهالله. وكما قال البخاري رحمهالله : سمعت الحميدي يقول : كنا عند الشافعي رحمهالله ، فأتاه رجل فسأله عن مسألة ، فقال قضى فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم كذا وكذا ، فقال رجل للشافعي : ما تقول أنت؟! فقال : سبحان الله! تراني في كنيسة! تراني في بيعة! تراني على وسطي زنار؟! أقول لك : قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنت تقول : ما تقول أنت؟! ونظائر ذلك في كلام السلف كثير. وقال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) الاحزاب : ٣٦.
وخبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول ، عملا به وتصديقا له ـ : يفيد العلم [اليقيني] عند جماهير الأمة ، وهو أحد قسمي المتواتر. ولم يكن بين سلف الأمة في ذلك نزاع ، كخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إنما الأعمال بالنيات (٤٤٤) ، وخبر ابن عمر رضي الله عنهما : «نهى عن بيع الولاء وهبته» (٤٤٥) ، وخبر أبي هريرة : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» (٤٤٦) ، وكقوله : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٤٤٧) ، وأمثال ذلك. وهو نظير خبر الذي أتى مسجد قباء وأخبر أن القبلة تحولت الى الكعبة ، فاستداروا إليها (٤٤٨).
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرسل رسله آحادا ، ويرسل كتبه مع الآحاد ، ولم يكن المرسل إليهم يقولون لا نقبله لأنه خبر واحد! وقد قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) التوبة : ٣٣. فلا بد أن يحفظ الله حججه وبيناته على خلقه ، لئلا تبطل حججه وبيناته.
ولهذا فضح الله من كذّب على رسوله في حياته وبعد وفاته ، وبيّن حاله للناس. قال سفيان بن عيينة : ما ستر الله أحدا يكذب في الحديث. وقال عبد الله بن
__________________
(٤٤٤) متفق عليه ، من حديث عمر ، وهو أول حديث في «صحيح البخاري».
(٤٤٥) متفق عليه من حديث ابن عمر.
(٤٤٦) متفق عليه ، وهو مخرج في «الارواء» برقم (١٨٨٢).
(٤٤٧) متفق عليه من حديث عائشة ، وهو في «الارواء» أيضا (١٨٧٦).
(٤٤٨) متفق عليه من حديث البراء بن عازب وانظر لفظه وتخريجه في «صفة الصلاة».