(فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ، ف (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) ـ منصوب على أنه صفة أولياء الله ، أو بدل منه ، أو بإضمار أمدح ، أو مرفوع بإضمار «هم» ، أو خبر ثان ل «إن» ، وأجيز فيه الجر ، بدلا من ضمير «عليهم». وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون ، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث. وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه ، ليست بكثرة صوم ولا صلاة ، ولا تملق ولا رياضة. وقيل : الذين آمنوا مبتدأ ، والخبر : لهم البشرى ، وهو بعيد ، لقطع الجملة عما قبلها ، وانتثار نظم الآية.
ويجتمع في المؤمن ولاية من وجه ، وعداوة من وجه ، كما قد يكون فيه كفر وإيمان ، وشرك وتوحيد ، وتقوى وفجور ، ونفاق وإيمان. وإن كان في هذا الأصل نزاع لفظي بين أهل السنة ، ونزاع معنوي بينهم وبين أهل البدع ، كما تقدم في الإيمان. ولكن موافقة الشارع في اللفظ والمعنى ـ أولى من موافقته في المعنى وحده ، قال تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) يوسف : ١٠٦. وقال تعالى : (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) الحجرات : ١٤ ، الآية. وقد تقدم الكلام على هذه الآية ، وأنهم ليسوا منافقين على أصح القولين. وقال صلىاللهعليهوسلم : «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر» (٤٥٥). وفي رواية «وإذا ائتمن خان» بدل : «وإذا وعد أخلف». أخرجاه في «الصحيحين». وحديث : «شعب الإيمان» تقدم. وقوله صلىاللهعليهوسلم : «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان» (٤٥٦). فعلم أن من كان معه من الإيمان أقل القليل لم يخلّد في النار ، وإن كان معه كثير من النفاق ، فهو يعذب في النار على قدر [ما معه] من ذلك ، ثم يخرج من النار. فالطاعات من شعب الإيمان ، والمعاصي من شعب الكفر ، وإن كان رأس شعب الكفر الجحود ، ورأس شعب الإيمان التصديق. وأما ما يروى مرفوعا الى النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما
__________________
(٤٥٥) متفق عليه وسبق بالحديث (رقم ٣٧٢).
(٤٥٦) متفق عليه.