الناس بهذه الآية لكفتهم» (٤٦٠). فالمتقون يجعل الله لهم مخرجا مما ضاق على الناس ، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون ، فيدفع الله عنهم المضار ، ويجلب لهم المنافع ، ويعطيهم الله أشياء يطول شرحها ، من المكاشفات والتأثيرات.
قوله : (وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن).
ش : أراد أكرم المؤمنين هو الأطوع لله والأتبع للقرآن ، وهو الأتقى ، والاتقى هو الأكرم ، قال تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) الحجرات : ١٣. وفي «السنن» عن النبي صلىاللهعليهوسلم انه قال : «لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض ـ : إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب» (٤٦١). وبهذا الدليل يظهر ضعف تنازعهم في مسألة الفقير الصابر والغني الشاكر ، وترجيح أحدهما على الآخر ، وأن التحقيق أن التفضيل لا يرجع الى ذات الفقر والغنى ، وإنما يرجع الى الأعمال والأحوال والحقائق ، فالمسألة فاسدة في نفسها. فإن التفضيل عند الله بالتقوى وحقائق الإيمان ، لا بفقر ولا غنى. ولهذا ـ والله أعلم ـ قال عمر رضي الله عنه : الغنى والفقر مطيتان ، لا أبالي أيهما ركبت. والفقر والغنى ابتلاء من الله تعالى لعبده ، كما قال تعالى : (فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ : رَبِّي أَكْرَمَنِ) الفجر : ١٥ ، الآية. فإن استويا ، الفقير الصابر والغنيّ الشاكر ـ في التقوى ، استويا في الدرجة ، وإن فضل أحدهما فيها فهو الأفضل عند الله ، فإن الفقر والغنى لا يوزنان ، وإنما يوزن الصبر والشكر. ومنهم من أحال المسألة من وجه آخر : وهو أن الإيمان [نصف] صبر ونصف شكر ، فكل منهما لا بد له من صبر وشكر. وإنما أخذ الناس فرعا من الصبر وفرعا من الشكر ، وأخذوا في الترجيح ، فجرّدوا غنيّا
__________________
(٤٦٠) ضعيف ، رواه أحمد والحاكم بسند فيه انقطاع.
(٤٦١) صحيح ، لكن عزوه للسنن وهم ، فإنه لم يروه أحد منهم ، وانما هو في مسند الإمام أحمد. وقد كنت توقفت فيه قبل سنين ، ثم يسر الله تعالى لي جمع كثير من طرقه ، وحققت الكلام عليها ، فتبين لي انه صحيح بمجموعها ، وأودعت تفصيل ذلك في الموضع المشار إليه ، وعليه استجزت ايراده في كتابي الكبير «صحيح الجامع الصغير وزياداته» ١٧٨٠.