وأن تؤدوا خمس ما غنمتم» (٤٦٤). ومعلوم أنه لم يرد [أن] هذه الأعمال تكون إيمانا بالله بدون إيمان القلب ، لما قد أخبر في غير موضع أنه لا بد من إيمان القلب. فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان ، وقد تقدم الكلام على هذا.
والكتاب والسنة مملوءان بما يدل على أن الرجل لا يثبت له حكم الإيمان إلا بالعمل مع التصديق ، وهذا أكثر من معنى الصلاة والزكاة ، فإن تلك إنما فسرتها السنة ، والإيمان بين معناه الكتاب والسنة. فمن الكتاب قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الانفال : ٢ ، الآية. وقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) الحجرات : ١٥ ، الآية. وقوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) النساء : ٦٥ ، فنفي الإيمان حتى توجد هذه الغاية ـ : دل على أن هذه الغاية فرض على الناس ، فمن تركها كان من أهل الوعيد [و] لم يكن قد أتى بالإيمان الواجب ، الذي وعد أهله بدخول الجنة بلا عذاب. ولا يقال إن بين تفسير النبي صلىاللهعليهوسلم الإيمان في حديث جبرائيل وتفسيره إياه في حديث وفد عبد القيس معارضة ، لأنه فسر الإيمان في حديث جبرائيل بعد تفسير الإسلام ، فكان المعنى أنه الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر مع الأعمال التي ذكرها في تفسير الإسلام ، كما أن الإحسان متضمن للإيمان الذي قدم تفسيره قبل ذكره. بخلاف حديث وفد عبد القيس ، لأنه فسره ابتداء ، لم يتقدم قبله تفسير الإسلام. ولكن هذا الجواب لا يتأتى على ما ذكره الشيخ رحمهالله من تفسير الإيمان ، فحديث وفد عبد القيس مشكل عليه.
ومما يسأل عنه : أنه إذا كان ما أوجبه الله من الأعمال الظاهرة أكثر من الخصال الخمس التي أجاب [بها] النبي صلىاللهعليهوسلم في حديث جبرائيل المذكور ، فلم قال إن الإسلام هذه الخصال الخمس؟ وقد أجاب بعض الناس بأن هذه أظهر شعائر الاسلام وأعظمها ، وبقيامه بها يتم استسلامه ، وتركه لها يشعر بانحلال قيد انقياده. والتحقيق : أن النبي صلىاللهعليهوسلم ذكر الدين الذي هو استسلام العبد لربه مطلقا ،
__________________
(٤٦٤) متفق عليه.