الذي يجب لله [على] عباده محضه على الأعيان ، فيجب على كل من كان قادرا عليه ، ليعبد الله مخلصا له الدين ، وهذه هي الخمس ، وما سوى ذلك فإنما يجب بأسباب مصالح ، فلا يعم وجوبها جميع الناس ، بل إما أن يكون فرضا على الكفاية كالجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وما يتبع ذلك من إمارة ، وحكم ، وفتيا ، وإقراء ، وتحديث ، وغير ذلك. وأما ما يجب (٤٦٥) بسبب حق الآدميين ، فيختص به من وجب له وعليه ، وقد يسقط بإسقاطه ، من قضاء بإسقاطه ، من قضاء الديون ، ورد الأمانات والغصوب ، والإنصاف من المظالم ، من الدماء والأموال والاعراض ، وحقوق الزوجة والاولاد ، وصلة الارحام ، ونحو ذلك ، فإن الواجب من ذلك على زيد غير الواجب على عمرو. بخلاف صوم رمضان وحج البيت والصلوات الخمس والزكاة ، فإن الزكاة وإن كانت حقا ماليّا فإنها واجبة لله ، والأصناف الثمانية مصارفها ، ولهذا وجبت فيها النية ، ولم يجز أن يفعلها الغير بلا إذنه ، ولم تطلب من الكفار. وحقوق العباد لا يشترط لها النية ، ولو أداها غيره عنه بغير إذنه برئت ذمته ، ويطالب بها الكفار. وما يجب حقّا لله تعالى ، كالكفارات ، هو بسبب من العبد ، وفيها معنى العقوبة ، ولهذا كان التكليف شرطا في الزكاة ، فلا تجب على الصغير والمجنون عند أبي حنيفة وأصحابه رحمهمالله تعالى ، على ما عرف في موضعه.
وقوله : والقدر خيره وشره ، وحلوه ومره ، من الله تعالى ـ تقدم قوله صلىاللهعليهوسلم في حديث جبرائيل : «وتؤمن بالقدر خيره وشره» (٤٦٦) ، وقال تعالى : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) التوبة : ٥١. وقال تعالى : (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ ، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ. فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) النساء : ٧٨ ، (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ ، وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء : ٧٩ ، الآية.
فإن قيل : فكيف الجمع بين قوله : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) النساء : ٧٨ ، وبين
__________________
(٤٦٥) في الاصل : أن يجب.
(٤٦٦) متفق عليه على التفصيل المشار إليه قبل قليل
.