قوله : (فَمِنْ نَفْسِكَ)؟ النساء : ٧٩ ، قيل : قوله : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) : الخصب والجدب ، والنصر والهزيمة ، [كلها من عند الله] ، وقوله : (فَمِنْ نَفْسِكَ) : أي ما أصابك من سيئة من الله فبذنب نفسك عقوبة لك ، كما قال تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) الشورى : ٣٠. يدل على ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه : أنه قرأ : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) النساء : ٧٩ ، (أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ). والمراد بالحسنة هنا النعمة ، وبالسيئة البلية ، في أصح الأقوال. وقد قيل : الحسنة الطاعة ، والسيئة المعصية. [و] قيل : الحسنة ما أصابه يوم بدر ، والسيئة ما أصابه يوم أحد. والقول الأول شامل لمعنى القول الثالث. والمعنى الثاني ليس مرادا دون الأول قطعا ، ولكن لا منافاة بين أن تكون سيئة العمل وسيئة الجزاء من نفسه (٤٦٧) ، مع أن الجميع مقدر ، فإن المعصية الثانية قد تكون عقوبة الأولى ، فتكون من سيئات الجزاء ، مع أنها من سيئات العمل ، والحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى ، كما دل على ذلك الكتاب والسنة. وليس للقدرية أن يحتجوا بقوله تعالى : (فَمِنْ نَفْسِكَ) ، فإنهم يقولون : إن فعل العبد ـ حسنة كان أو سيئة ـ فهو منه لا من الله! والقرآن قد فرق بينهما ، وهم لا يفرقون ، ولأنه قال تعالى : (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، فجعل الحسنات من عند الله ، كما جعل السيئات من عند الله ، وهم لا يقولون بذلك في الأعمال ، بل في الجزاء. وقوله بعد هذا : «ما أصابك من حسنة» و «من سيئة» ، [مثل قوله : «وإن تصبهم حسنة» و «إن تصبهم سيئة»]. وفرق سبحانه وتعالى بين الحسنات التي هي النعم ، وبين السيئات التي هي المصائب ، فجعل هذه من الله ، وهذه من نفس الإنسان ، لأن الحسنة مضافة الى الله ، إذ هو أحسن بها من كل وجه ، فما من وجه من أوجهها إلا وهو يقتضي الإضافة إليه ، وأما السيئة ، فهو إنما يخلقها لحكمة ، وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه ، فإن الرب لا يفعل سيئة قط ، بل فعله كله حسن وخير.
ولهذا كان النبي صلىاللهعليهوسلم يقول في الاستفتاح : «والخير كله بيديك ، والشر ليس
__________________
(٤٦٧) قال عفيفي : انظر ص ٣١٤ من كتاب «الايمان».