إليك». أي : فإنك لا تخلق شرّا محضا ، بل كل ما يخلقه ففيه حكمة ، هو باعتبارها خير ، ولكن قد يكون فيه شرّ لبعض الناس ، فهذا شرّ جزئي إضافي ، فأما شر كليّ ، أو شر مطلق ـ : فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه. وهذا هو الشر الذي ليس إليه ، ولهذا لا يضاف الشر إليه مفردا قط ، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات ، كقوله تعالى : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) الرعد : ١٨ ، (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) النساء : ٧٨ ، وإما أن يضاف الى السبب ، كقوله : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) الفلق : ٢ ، وإما أن يحذف فاعله ، كقول الجن : (وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) الجن : ١٠ ، وليس إذا خلق ما يتأذّى به بعض الحيوان لا يكون فيه حكمة ، بل لله من الرحمة والحكمة لا يقدّر قدره إلا الله تعالى ، وليس اذا وقع في المخلوقات ما هو شر جزئي بالإضافة ـ يكون شرّا كليّا [عامّا] ، بل الأمور العامة الكلية لا تكون إلا خيرا أو مصلحة للعباد ، كالمطر العام ، وكإرسال رسول عام. وهذا مما يقتضي أنه لا يجوز أن يؤيد كذابا عليه بالمعجزات التي أيّد بها الصادقين ، فإن هذا شرّ عام للناس ، يضلهم ، فيفسد عليهم دينهم ودنياهم وأخر لهم. وليس هذا كالملك الظالم [والعدو ، فإن الملك الظالم] لا بد أن يدفع الله به من الشر أكثر من ظلمه ، وقد قيل : ستون سنة بإمام ظالم خير من ليلة واحدة بلا إمام ، وإذا قدّر كثرة ظلمه ، فذاك خير في الدين ، كالمصائب ، تكون كفارة لذنوبهم ، ويثابون على الصبر عليه ، ويرجعون فيه الى الله ، ويستغفرونه ويتوبون إليه ، وكذلك ما يسلط عليهم من العدو. ولهذا قد يمكن الله كثيرا من الملوك الظالمين مدة ، وأما المتنبئون الكذابون فلا يطيل تمكينهم ، بل لا بد أن يهلكهم ، لأن فسادهم عامّ في الدين والدنيا والآخرة ، قال تعالى : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ. لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦.
وفي قوله : «فمن نفسك» ـ من الفوائد : أن العبد لا يطمئن الى نفسه ولا يسكن إليها ، فإن الشر كامن فيها ، لا يجيء إلا منها ، ولا يشتغل بملام الناس ولا ذمهم إذا أساءوا إليه ، فإن ذلك من السيئات التي أصابته ، وهي إنما أصابته بذنوبه ، فيرجع الى الذنوب ، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله ، ويسأل الله أن يعينه على طاعته. فبذلك يحصل له كل خير ، ويندفع عنه كل شر.