الثناء والمجد ، أحقّ ما قاله العبد ، وكلنا لك عبد» (٤٦٩). فهذا حمد ، وهو شكر لله تعالى ، وبيان أن حمده أحقّ ما قاله العبد ، ثم يقول بعد ذلك : «لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد». وهذا تحقيق لوحدانيته ، لتوحيد الربوبية ، خلقا وقدرا ، وبداية ونهاية (٤٧٠) ، هو المعطي المانع ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، ولتوحيد الإلهية ، شرعا وأمرا ونهيا ، وإن العباد وإن كانوا يعطون جدّا : ملكا وعظمة وبختا ورئاسة ، في الظاهر ، أو في الباطن ، كأصحاب المكاشفات والتصرفات الخارقة ، فلا ينفع ذا الجدّ منك الجد ، أي لا ينجيه ولا يخلّصه ، ولهذا قال : لا ينفعه منك ، (٤٧١) ، ولم يقل ولا ينفعه عندك لأنه لو قيل ذلك أوهم أنه لا يتقرب به إليك ، لكن قد لا يضرّه. فتضمن هذا الكلام تحقيق التوحيد ، أو تحقيق قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الفاتحة : ٤ ، فإنه لو قدّر أن شيئا من الأسباب يكون مستقلا بالمطلوب ، وإنما يكون بمشيئة الله وتيسيره ـ : لكان الواجب أن لا يرجى إلا الله ، ولا يتوكل إلا عليه ، ولا يسأل إلا هو ، ولا يستغاث إلا به ، ولا يستعان إلا هو ، فله الحمد وإليه المشتكى ، وهو المستعان ، وبه المستغاث ، ولا حول ولا قوة إلا به. فكيف وليس شيء من الاسباب مستقلّا بمطلوب ، بل لا بد من انضمام أسباب أخر إليه ، ولا بد أيضا من صرف الموانع والمعارضات عنه ، حتى يحصل المقصود ، فكل سبب فله شريك ، وله ضد ، فإن لم يعاونه شريكه ، ولم ينصرف عنه ضده ـ : لم يحصل مسببه. والمطر وحده لا ينبت النبات إلا بما ينضم إليه من الهواء والتراب وغير ذلك ، ثم الزرع لا يتم حتى تصرف عنه الآفات المفسدة له ، والطعام والشراب لا يغذّي إلا بما جعل في البدن من الأعضاء والقوى ، ومجموع ذلك لا يفيد إن لم تصرف عنه المفسدات.
والمخلوق الذي يعطيك أو ينصرك ، فهو ـ مع أن الله يجعل فيه الإرادة والقوة
__________________
(٤٦٩) صحيح متفق عليه ، وهو حديث آخر ، والمصنف دمجه بالأول ، فأوهم انهما حديث واحد! انظر المصدر الآنف الذكر.
(٤٧٠) في الاصل : وهداية.
(٤٧١) قال عفيفي : انظر ص ٣١٩ ج ٤ من «مجموع الفتاوى» لابن تيمية.