والفعل ـ : فلا يتم ما يفعله إلا بأسباب كثيرة ، خارجة عن قدرته ، تعاونه على مطلوبه ، ولو كان ملكا مطاعا ، ولا بد أن يصرف عن الأسباب المعاونة ما يعارضها ويمانعها ، فلا يتم المطلوب إلا بوجود المقتضي وعدم المانع.
وكل سبب معيّن فإنما هو جزء من المقتضي ، فليس في الوجود شيء واحد هو مقتض تامّ ، وإن سمي مقتضيا ، وسمي سائر ما يعينه شروطا ـ فهذا نزاع لفظي. وأما أن يكون في المخلوقات علة تامة تستلزم معلولها فهذا باطل.
ومن عرف هذا حق المعرفة انفتح له باب توحيد الله ، وعلم أنه لا يستحق أن يسأل غيره ، فضلا عن أن يعبد غيره ، ولا يتوكل على غيره ، ولا يرجى غيره.
قوله : (ونحن مؤمنون بذلك كله ، لا نفرق بين أحد من رسله ، ونصدقهم كلهم على ما جاءوا به).
ش : الإشارة بذلك الى ما تقدم ، مما يجب الإيمان به تفصيلا ، وقوله : لا نفرق بين أحد من رسله ، الى آخر كلامه ـ أي : لا نفرق بينهم بأن نؤمن ببعض ونكفر ببعض (٤٧٢) ، بل نؤمن بهم ونصدقهم كلهم ، فإن من آمن ببعض وكفر ببعض ، كافر بالكل. قال تعالى : (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) النساء : ١٥٠ ـ ١٥١. فإن المعنى الذي لأجله (٤٧٣) آمن بمن آمن به [به] منهم ـ موجود في الذي لم يؤمن به ، وذلك الرسول الذي آمن به قد جاء بتصديق [بقية] المرسلين ، فإذا لم يؤمن ببعض المرسلين كان كافرا بمن في زعمه أنه مؤمن به ، لأن ذلك الرسول قد جاء بتصديق المرسلين كلهم ، فكان كافرا حقّا ، وهو يظن أنه مؤمن ، فكان من الأخسرين أعمالا ، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
قوله : (وأهل الكبائر من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم في النار لا يخلدون ، اذا ماتوا وهم موحدون ، وان لم يكونوا تائبين ، بعد أن لقوا الله عارفين.
وهم في مشيئته وحكمه ،
__________________
(٤٧٢) قال عفيفي : انظر ص ٣١٦ ج ٤ من «مجموع الفتاوى».
(٤٧٣) في الاصل : للرجاء.