السلف (٤٧٥) في تعريف الصغائر : منهم من قال : الصغيرة ما دون الحدّين : حد الدنيا وحد الآخرة. ومنهم من قال : كل ذنب لم يختم بلعنة أو غضب أو نار. ومنهم من قال : الصغيرة ما ليس فيها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة ، والمراد بالوعيد : الوعيد الخاص بالنار أو اللعنة أو الغضب ، فإن الوعيد الخاص في الآخرة كالعقوبة الخاصة في الدنيا ، أعني المقدّرة ، فالتعزير في الدنيا نظير الوعيد بغير النار أو اللعنة أو الغضب. وهذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره ، فإنه يدخل فيه كل ما ثبت بالنص أنه كبيرة ، كالشرك ، والقتل ، والزنا ، والسحر ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، ونحو ذلك ، كالفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وأمثال ذلك.
وترجيح هذا القول من وجوه : أحدها : أنه هو المأثور عن السلف ، كابن عباس ، وابن عيينة ، وابن حنبل رضي الله عنهم ، وغيرهم. الثاني : أن الله تعالى قال : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) النساء : ٣١. فلا يستحق هذا الوعد الكريم من أوعد بغضب الله ولعنته وناره ، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر. الثالث : أن هذا الضابط مرجعه الى ما ذكره الله ورسوله من الذنوب ، فهو حد متلقى من خطاب الشارع. الرابع : أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر ، بخلاف تلك الأقوال (٤٧٦) ، فإن من قال : سبعة ، أو سبعة عشرة ، أو الى السبعين أقرب ـ : مجرد دعوى. ومن قال : ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت فيه ـ : يقتضي أن شرب الخمر ، والفرار من الزحف ، والتزوّج ببعض المحارم (٤٧٧) ، والمحرم بالرضاعة والصهرية ، ونحو ذلك ـ ليس من الكبائر! وأن
__________________
(٤٧٥) في الاصل : عبارة قائلية.
(٤٧٦) قال عفيفي : انظر ص ٢٨٠ وما بعدها من ج ٣ من «مجموع الفتاوى».
(٤٧٧) قال عفيفي : انظر ص ٣١٦ وما بعدها من «مدارج السالكين» لابن القيم وص ٤٩٤ الى ٤٩٧ من «مختصر الفتاوى» و ٦٥٠ ج ١١ من «مجموع الفتاوى»
.