لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يخالف هذا الحديث الصريح الصحيح بعد أن يبلغه ، وهو حجة على من يطلق من الحنفية والشافعية والحنبلية أن الإمام إذا ترك ما يعتقد المأموم وجوبه لم يصح اقتداؤه به!! فإن الاجتماع والائتلاف مما يجب رعايته وترك الخلاف المفضي الى الفساد.
وقوله : وعلى من مات منهم ـ أي ونرى الصلاة على من مات من الأبرار والفجار ، وإن كان يستثنى من هذا العموم البغاة وقطّاع الطريق ، وكذا قاتل نفسه ، خلافا لأبي يوسف ، لا الشهيد ، خلافا لمالك والشافعي رحمهماالله ، على ما عرف في موضعه. لكن الشيخ إنما ساق هذا لبيان أنّا لا نترك الصلاة على من مات من أهل البدع والفجور ، لا للعموم الكلي ، ولكن المظهرون للإسلام قسمان : إما مؤمن ، وإما منافق ، فمن علم نفاقه لم تجز الصلاة عليه والاستغفار له ، ومن لم يعلم ذلك منه صلي عليه. فإذا علم شخص نفاق شخص لم يصلّ هو عليه ، وصلى عليه من لم يعلم نفاقه ، وكان عمر رضي الله عنه لا يصلي على من لم يصلّ عليه حذيفة ، لأنه كان في غزوة تبوك قد عرف المنافقين ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى رسوله صلىاللهعليهوسلم عن الصلاة على المنافقين ، وأخبر أنه لا يغفر لهم باستغفاره ، وعلّل ذلك بكفرهم بالله ورسوله ، فمن كان مؤمنا بالله ورسوله لم ينه عن الصلاة عليه ، ولو كان له من الذنوب الاعتقادية البدعية أو العملية أو الفجورية ما له ، بل قد أمره الله تعالى بالاستغفار للمؤمنين ، فقال تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) محمد : ١٩. فأمره سبحانه بالتوحيد والاستغفار لنفسه وللمؤمنين والمؤمنات ، فالتوحيد أصل الدين ، والاستغفار له وللمؤمنين كماله. فالدعاء لهم بالمغفرة والرحمة وسائر الخيرات ، إما واجب وإما مستحب ، وهو على نوعين : عام وخاص ، أما العام فظاهر ، كما في هذه الآية ، وأما الدعاء الخاص ، فالصلاة على الميت ، فما من مؤمن يموت إلا وقد أمر المؤمنون ان يصلوا عليه صلاة الجنازة ، وهم مأمورون في صلاتهم عليه أن يدعوا له ، كما روى أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء» (٤٨٧).
__________________
(٤٨٧) اسناده جيد «احكام الجنائز» (١٢٣) و «ارواء الغليل» (٧٣٢).