المحب يحب ما يحب محبوبه ، ويبغض ما يبغض ، ويوالي من يواليه ، ويعادي من يعاديه ، ويرضى لرضائه ، ويغضب لغضبه ، ويأمر بما يأمر به ، وينهى عما ينهى عنه ، فهو موافق لمحبوبه في كل حال. والله تعالى يحب المحسنين ، ويحب المتقين ، ويحب التوابين ، ويحب المتطهرين ، ونحن نحب من أحبّه الله. والله لا يحب الخائنين ، ولا يحب المفسدين ، ولا يحب المستكبرين ، ونحن لا نحبهم أيضا ، ونبغضهم ، موافقة له سبحانه وتعالى. وفي «الصحيحين» عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما ، ومن كان يحبّ المرء لا يحبه إلا لله ، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه ، كما يكره أن يلقى في النار» (٥٠٤). فالمحبة التامة مستلزمة لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه ، وولايته وعداوته. ومن المعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بد أن يبغض أعداءه ، ولا بد أن يحب ما يحبه من جهادهم ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) الصف : ٤. والحب والبغض بحسب ما فيهم من خصال الخير والشر ، فإن العبد يجتمع فيه سبب الولاية وسبب العداوة ، والحبّ والبغض ، فيكون محبوبا من وجه ومبغوضا من وجه ، والحكم للغالب. وكذلك حكم العبد عند الله ، فإن الله قد يحب الشيء من وجه ويكرهه من وجه آخر ، كما قال صلىاللهعليهوسلم ، فيما يروي عن ربه عزوجل : «وما تردّدت في شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن ، يكره الموت ، وأنا أكره مساءته ، ولا بد له منه» (٥٠٥). فبين أنه يتردد ، لأن التردد تعارض إرادتين ، وهو سبحانه يحب ما يحب عبده المؤمن ، ويكره ما يكرهه ، وهو يكره الموت فهو يكرهه ، كما قال : «وأنا أكره مساءته» ، وهو سبحانه قضى بالموت فهو يريد كونه ، فسمى ذلك ترددا ، ثم بيّن أنه لا بد من وقوع ذلك ، إذ هو يفضي الى ما أحب منه.
__________________
(٥٠٤) أخرجه الشيخان عن أنس.
(٥٠٥) صحيح ، وهو طرف من حديث تقدم بتمامه (رقم ٤٥٨) ، وتكلمت عليه هناك.