لزكريا ، لروحه وبدنه ، والروح توصف بالوفاة والقبض [والإمساك] والإرسال ، وهذا شأن المخلوق المحدث. وأما احتجاجهم بقوله : (مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الاسراء : ٨٥ ـ فليس المراد هنا بالأمر الطلب ، بل المراد به المأمور ، والمصدر يذكر ويراد به اسم المفعول ، وهذا معلوم مشهور. وأما استدلالهم بإضافتها إليه بقوله : (مِنْ رُوحِي) الحجر : ٢٩ ـ فينبغي أن يعلم أن المضاف الى الله نوعان : صفات لا تقوم بأنفسها ، كالعلم والقدرة والكلام والسمع والبصر ، فهذه إضافة صفة الى الموصوف بها ، فعلمه وكلامه وقدرته وحياته صفات له ، وكذا وجهه ويده سبحانه. والثاني : إضافة أعيان منفصلة عنه ، كالبيت والناقة والعبد والرسول والروح ، فهذه إضافة مخلوق الى خالقه ، لكن إضافة تقتضي تخصيصا وتشريفا ، يتميز بها المضاف عن غيره.
واختلف في الروح : هل هي مخلوقة قبل الجسد أم بعده؟ وقد تقدم عند ذكر الميثاق الإشارة الى ذلك.
واختلف في الروح : ما هي؟ فقيل : هي جسم ، وقيل : عرض ، وقيل : لا ندري ما الروح ، أجوهر أم عرض؟ وقيل : ليس الروح شيئا أكثر من اعتدال الطبائع الأربع ، وقيل : هي الدم الصافي الخالص من الكدرة والعفونات (٥١٤) ، وقيل : هي الحرارة الغريزية ، وهي الحياة ، وقيل : [هو] جوهر بسيط منبث في العالم كله من الحيوان ، على جهة الإعمال له والتدبير ، [وهي] على ما وصفت من الانبساط في العالم ، غير منقسمة الذات والبنية ، وأنها في كل حيوان العالم بمعنى واحد لا غير ، وقيل : النفس هي النسيم الداخل والخارج بالتنفس ، وقيل غير ذلك. وللناس في مسمى الإنسان : هل هو الروح فقط ، أو البدن فقط ، أو مجموعهما ، أو كل منهما؟ وهذه الأقوال الأربعة لهم في كلامه : هل هو اللفظ ، أو المعنى فقط ، أو هما ، أو كل منهما؟ (٥١٥) فالخلاف بينهم في الناطق ونطقه. والحق : أن الإنسان اسم لهما ، وقد يطلق على أحدهما بقرينة ، وكذا الكلام.
__________________
(٥١٤) في الاصل : الكدر.
(٥١٥) قال عفيفي : انظر مباحث الروح من الصفحة ٢١٦ ج ٤ من «مجموع الفتاوى»
.