وهم نطف في أصلاب آبائهم وفي أرحام أمهاتهم ، ثم أحياهم بعد ذلك ، ثم أماتهم ، ثم يحييهم يوم النشور ، وليس في ذلك إماتة أرواحهم قبل يوم القيامة ، وإلا كانت ثلاث موتات. وصعق الأرواح عند النفخ في الصور لا يلزم منه موتها ، فإن الناس يصعقون يوم القيامة إذا جاء الله لفصل القضاء ، وأشرقت الأرض بنوره ، وليس ذلك بموت. وسيأتي ذكر ذلك ، إن شاء الله تعالى. وكذلك صعق موسى عليهالسلام لم يكن موتا ، والذي يدل عليه أن نفخة الصعق ـ والله أعلم ـ موت كل من لم يذق الموت قبلها من الخلائق ، وأما من ذاق الموت ، أو لم يكتب عليت الموت من الحور والولدان وغيرهم ، فلا تدل الآية على أنه يموت موتة ثانية. والله أعلم.
قوله : (وبعذاب القبر لمن كان له أهلا ، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربه ودينه ونبيه ، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعن الصحابة رضوان الله عليهم. والقبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران).
ش : قال تعالى : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) غافر : ٤٥ ـ ٤٦. وقال تعالى : (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ. يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ. وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ. وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الطور : ٤٥ ـ ٤٧. وهذا يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا ، وأن يراد به عذابهم في البرزخ ، وهو أظهر ، لأن كثيرا منهم مات ولم يعذّب في الدنيا ، أو المراد أعم من ذلك. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه ، قال : كنا في جنازة في بقيع الغرقد ، فأتانا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقعد وقعدنا حوله ، كأنّ على رءوسنا الطير ، وهو يلحد له ، فقال : «أعوذ بالله من عذاب القبر» ، ثلاث مرات ، ثم قال : «إن العبد [المؤمن] إذا كان في إقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا ، نزلت إليه الملائكة ، كأن على وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط من حنوط الجنة ، فجلسوا منه مدّ البصر ، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : يا أيتها النفس الطيبة ، اخرجي الى مغفرة من الله