عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلىاللهعليهوسلم مر بقبرين ، فقال : «إنهما ليعذّبان ، وما يعذّبان في كبير ، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ، فدعا بجريدة رطبة ، فشقها نصفين ، وقال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» (٥٢٧). وفي «صحيح» أبي حاتم عن أبي هريرة ، قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إذا قبر أحدكم ، أو الإنسان أتاه ملكان أسودان أزرقان. يقال لأحدهما المنكر ، وللآخر : النكير» (٥٢٨) ، وذكر الحديث إلخ ..
وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا ، وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا تتكلّم في كيفيته ، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته ، لكونه لا عهد له به في هذا الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول. فإن عود الروح الى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا ، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا. فالروح لها بالبدن خمسة أنواع من التعلق ، متغايرة الأحكام : أحدها : تعلقها به في بطن الأم جنينا. الثاني : تعلقها به بعد خروجه الى وجه الأرض. الثالث : تعلقها به في حال النوم ، فلها به تعلق من وجه ، ومفارقة من وجه. الرابع : تعلقها به في البرزخ ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليّا بحيث لا يبقى لها إليه التفات البتة ، فإنه ورد ردها إليه وقت سلام المسلّم ، وورد أنه يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه. وهذا الردّ إعادة خاصة لا يوجب حياة البدن قبل يوم القيامة. الخامس : تعلقها به يوم بعث الأجساد ، وهو أكمل أنواع تعلقها البدن ، ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه ، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا ، فالنوم أخو الموت. فتأمل هذا يزح عنك إشكالات كثيرة.
__________________
(٥٢٧) متفق عليه «صحيح ابي داود» (١٥).
(٥٢٨) حسن ، أخرجه الترمذي أيضا (١ / ١١٩) وقال «حديث حسن غريب» ، قلت واسناده حسن ، وفيه رد على من انكر من المعاصرين تسمية الملكين ب : «المنكر» و «النكير» وهو مخرج فى «الصحيحة» (١٣٩١)
.