[الله] الى جسده يوم يبعثه» (٥٣٩). فقوله «نسمة المؤمن» تعم الشهيد وغيره ، ثم خص الشهيد بأن قال : «هي في جوف طير خضر» ، ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير ، فتدخل في عموم الحديث الآخر بهذا الاعتبار ، فنصيبهم من النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فرشهم ، وإن كان الميت أعلى درجة من كثير منهم ، فلهم نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه ، والله أعلم. وحرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ، كما روي في «السنن». وأما الشهداء فقد شوهد منهم بعد مدد من دفنه كما هو لم يتغير ، فيحتمل بقاؤه كذلك في تربته الى يوم محشره ، ويحتمل أنه يبلى مع طول المدة ، والله أعلم. وكأنه ـ والله أعلم ـ كلما كانت الشهادة أكمل ، والشهيد أفضل ، كان بقاء جسده أطول.
قوله : ونؤمن بالبعث وجزاء الأعمال يوم القيامة ، والعرض والحساب ، وقراءة الكتاب ، والثواب والعقاب ، والصراط والميزان.
ش : الإيمان بالمعاد مما دل عليه الكتاب والسنة ، والعقل والفطرة السليمة. فأخبر الله سبحانه عنه في كتابه العزيز ، وأقام الدليل عليه ، وردّ على منكريه في غالب سور القرآن. وذلك : أن الأنبياء عليهمالسلام كلهم متفقون على الإيمان بالله (٥٤٠) ، فإن الاقرار بالربّ عام في بني آدم ، وهو فطريّ ، كلهم يقرّ بالرب ، إلا من عاند ، كفرعون ، بخلاف الإيمان باليوم الآخر ، فإن منكريه كثيرون ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم لما كان خاتم الأنبياء ، وكان قد بعث هو والساعة كهاتين ، وكان هو الحاشر المقفّي ـ بيّن تفضيل الآخرة بيانا لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء. ولهذا ظن طائفة من المتفلسفة ونحوهم ، أنه لم يفصح بمعاد الأبدان إلا محمد صلىاللهعليهوسلم ، وجعلوا هذه حجة لهم في أنه من باب التخييل والخطاب الجمهوري.
والقرآن بيّن معاد النفس عند الموت ، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع. وهؤلاء ينكرون القيامة الكبرى ، وينكرون معاد الأبدان ، ويقول من يقول منهم : إنه لم يخبر به إلا محمد صلىاللهعليهوسلم على طريق التخييل! وهذا كذب ، فإن
__________________
(٥٣٩) صحيح وقد مضى الحديث (برقم ٥١٨).
(٥٤٠) في الاصل : بالآخرة.