ليس فيه شيء باق ، فصار ما ذكروه في المعاد مما قوّى شبهة المتفلسفة في إنكار معاد الأبدان.
والقول الذي عليه السلف وجمهور العقلاء : أن الأجسام تنقلب (٥٤٣) من حال الى حال ، فتستحيل ترابا ، ثم ينشئها الله نشأة أخرى ، كما استحال في النشأة الأولى : فإنه كان نطفة ، ثم صار علقة ، ثم صار مضغة ، ثم صار عظاما ولحما ، ثم أنشأه خلقا سويّا. كذلك الإعادة : يعيده الله بعد أن يبلى كله إلا عجب (٥٤٤) الذنب ، كما ثبت في «الصحيح» عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب ، منه خلق ابن آدم ، ومنه يركب» (٥٤٥). وفي حديث آخر : «إن السماء (٥٤٦) تمطر مطرا كمني الرجال ، ينبتون في القبور كما ينبت النبات» (٥٤٧). فالنشأتان نوعان تحت جنس (٥٤٨) ، يتفقان ويتماثلان من وجه ، ويفترقان ويتنوعان من وجه. والمعاد هو الأول بعينه ، وإن كان بين لوازم الإعادة ولوازم البداءة فرق ، فعجب الذنب هو الذي يبقى ، وأما سائره فيستحيل ، فيعاد من المادة التي استحال
__________________
(٥٤٣) في الاصل : تتقلب.
(٥٤٤) «العجب» ، بفتح المهملة وسكون الجيم بعدها موحدة : عظم لطيف في أصل الصلب ، وهو رأس العصعص ، وهو مكان رأس الذنب من ذوات الاربع. قاله الحافظ في «الفتح».
(٥٤٥) البخاري ومسلم وأحمد واللفظ له في بعض رواياته (٢ / ٤٢٨) وزاد : «ويأكله التراب» وسنده جيد.
(٥٤٦) في الاصل : الارض.
(٥٤٧) ضعيف ، أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (١ / ٤٦ / ١ ـ ٢) في حديث طويل عن أبي الزعراء قال ذكروا عند عبد الله الدجال ، فقال : فذكره بطوله موقوفا ، وله حكم المرفوع لكنه منقطع بين أبي الزعراء واسمه يحيى بن الوليد ، لم يرو عن أحد من الصحابة ، بل عن بعض التابعين ، ثم أن في الحديث فقرة لم تذكر هنا مخالفة لحديث صحيح فيه عليه الهيثمي (١٠ / ٣٣٠) وقد أخرجه الحاكم (٤ / ٦٠٠) وصححه على شرطهما ورده الذهبي بأنهما ما احتجا بأبي الزعراء ، وفاته انه منقطع كما بينا.
(٥٤٨) قال عفيفي : انظر «مختصر الصواعق المرسلة» ١٠٧ ـ ١٠٨ ج ١.