إليها. ومعلوم أن من رأى شخصا وهو صغير ، ثم رآه وقد صار شيخا ، علم أن هذا هو ذاك ، مع أنه دائما في تحلل واستحالة. وكذلك سائر الحيوان والنبات ، فمن رأى شجرة وهي صغيرة ، ثم رآها كبيرة ، قال : هذه تلك. وليست [صفة] تلك النشأة الثانية مماثلة لصفة هذه النشأة ، حتى يقال إن الصفات هي المغيّرة ، لا سيما أهل الجنة إذا دخلوها فإنهم يدخلونها على صورة آدم ، طوله ستون ذراعا ، كما ثبت في «الصحيحين» وغيرهما ، وروي : أن عرضه سبعة أذرع. وتلك نشأة باقية غير معرّضة للآفات ، وهذه النشأة فانية (٥٤٩) معرضة للآفات.
وقوله : وجزاء الأعمال ـ قال تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الفاتحة : ٣. (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) النور : ٢٥. [والدّين : الجزاء ، يقال : كما تدين تدان ، أي كما تجازي تجازى] ، وقال تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) السجدة : ١٧ والاحقاف : ١٤ والواقعة : ٢٤ (جَزاءً وِفاقاً) النبأ : ٢٦. (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها ، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الانعام : ١٦٠ ، (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ، وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ ، هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النمل : ٨٩ ـ ٩٠. (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) القصص : ٨٤. وأمثال ذلك. وقال صلىاللهعليهوسلم ، فيما يروي عن ربه عزوجل ، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه : «يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه» (٥٥٠). وسيأتي لذلك زيادة بيان عن قريب ، إن شاء الله تعالى.
وقوله : والعرض والحساب ، وقراءة الكتاب ، والثواب والعقاب. قال تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ. وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ. وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ. يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ)
__________________
(٥٤٩) في الاصل : فاسدة.
(٥٥٠) اخرجه مسلم وأحمد من حديث أبي ذر.