تصنعون بقوله في الحديث : «إن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من تنشق عنه الارض ، فأجد موسى باطشا بقائمة العرش (٥٥٣١)؟ قيل : لا ريب أن هذا اللفظ قد ورد هكذا ، ومنه نشأ الإشكال. ولكنه دخل فيه على الراوي حديث في حديث ، فركب بين اللفظين ، فجاء هذان الحديثان هكذا : أحدهما : «أن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق» ، كما تقدم ، والثاني : «أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة» (٥٥٤) ، فدخل على الراوي هذا الحديث في الآخر. وممن نبه على هذا أبو الحجاج المزّي ، وبعده الشيخ شمس الدين بن القيم ، وشيخنا الشيخ عماد بن كثير ، رحمهمالله. وكذلك اشتبه على بعض الرواة ، فقال : «فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله عزوجل» (٥٥٥)؟ والمحفوظ
__________________
(٥٥٣١) صحيح. أخرجه البخاري في أول كتاب «الخصومات» من حديث وهيب ، حدثنا عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا في قصة ضرب الصحابي لليهودي بلفظ : «لا تخيروا بين الأنبياء فان الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من تنشق عنه الارض فاذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أكان فيمن صعق أم حوسب بصعقته الاولى».
وأخرجه مسلم رقم (٢٣٧٤) من طريق سفيان عن عمرو بن يحيى به. لكنه لم يسق لفظه بتمامه ، وقد ساقه أحمد (٣ / ٣٣) من هذه الطريق بلفظ : «وأنا أول من تنشق عنه الارض يوم القيامة فأفيق ، فأجد موسى ..» الحديث.
ويشهد لهذه الرواية حديث أبي هريرة عند مسلم (٢٣٧٣) بلفظ : «لا تفضلوا بين أنبياء الله ، فانه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الارض إلا من شاء الله ، قال : ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث ، أو في أول من بعث ، فاذا موسى عليهالسلام آخذ بالعرش ، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور ، أو بعث قبلي».
ومن هذين الحديثين يتبين أن هذه الصعقة الثانية انما هي صعقة البعث ، المذكورة في الآية ، وليست صعقة تقع لفصل القضاء كما ذكر الشارح تبعا للامام ابن القيم. وعلى ذلك فلا اشكال في الحديث والله أعلم.
(٥٥٤) رواه مسلم رقم (٢٢٧٨) باب تفضيل نبينا صلىاللهعليهوسلم بلفظ : «وأول من ينشق عنه القبر». وأبو داود والترمذي وأحمد.
(٥٥٥) صحيح وهو آخر حديث أبي هريرة المذكور قبله في رواية عنه عند البخاري ، والمراد