[الله] لهم : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ، قالُوا : أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ، قالَ : إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) البقرة : ٣٠ وقال تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) الاسراء : ٨٥. وقد تقدم عند ذكر الحوض كلام القرطبي رحمهالله ، أن الحوض قبل الميزان ، والصراط بعد الميزان. ففي «الصحيحين» : أن المؤمنين إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فيقتصّ لبعضهم من بعض ، فإذا هذبوا ونقّوا أذن لهم في دخول الجنة (٥٧٨). وجعل القرطبي في «التذكرة» هذه القنطرة صراطا ثانيا للمؤمنين خاصة ، وليس يسقط منه أحد في النار ، والله تعالى أعلم.
وقوله : (والجنة والنار مخلوقتان ، لا تفنيان أبدا ولا تبيدان ، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق ، وخلق لهما أهلا ، فمن شاء منهم الى الجنة فضلا منه ، ومن شاء منهم الى النار عدلا منه ، وكل يعمل لما [قد] فرغ له ، وصائر الى ما خلق له ، والخير والشر مقدّران على العباد).
ش : أما قوله : إن الجنة والنار مخلوقتان ، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن ، ولم يزل أهل السنة على ذلك ، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية ، فأنكرت ذلك ، وقالت : بل ينشئهما الله يوم القيامة!! وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله ، وأنه ينبغي أن يفعل كذا ، ولا ينبغي له أن يفعل كذا!! وقاسوه على خلقه في أفعالهم ، فهم مشبهة في الأفعال ، ودخل التجهم فيهم ، فصاروا مع ذلك معطلة! وقالوا : خلق الجنة قبل الجراء عبث! لأنها تصير معطلة مددا متطاولة!! فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى ، وحرفوا النصوص عن مواضعها ، وضللوا وبدّعوا من خالف شريعتهم.
فمن نصوص الكتاب : قوله تعالى عن الجنة : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل
__________________
(٥٧٨) اخرجه «البخاري في أول المظالم» وأحمد (٣ / ١٣ / ٦٣ / ٧٤) من حديث أبي سعيد الخدري ، ولم أره في «مسلم».