ونظائر ذلك في السنة كثيرة.
وأما على قول من قال : إن الجنة الموعود بها هي الجنة التي كان فيها آدم ثم أخرج منها ، فالقول بوجودها الآن ظاهر ، والخلاف في ذلك معروف.
وأما شبهة من قال : إنها لم تخلق بعد ، وهي : أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطرارا أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت ، لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) القصص : ٨٨. و (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) آل عمران : ١٨٥ ، وقد روى الترمذي في جامعه ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد ، أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر» (٥٨٩) ، قال : هذا حديث حسن غريب. وفيه أيضا من حديث أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، أنه قال : «من قال سبحان الله وبحمده ، غرست له نخلة في الجنة» (٥٩٠) ، قال : هذا حديث حسن صحيح ، قالوا : فلو كانت مخلوقة مفروغا منها لم تكن قيعانا ، ولم يكن لهذا الغراس معنى. قالوا : وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) التحريم : ١١ فالجواب : إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور ، فهذا باطل ، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر ، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها ، وأنها لا يزال الله يحدث فيها شيئا بعد شيء ، وإذا دخلها المؤمنون أحدث الله فيها عند دخولهم أمورا أخر ـ فهذا حق لا يمكن ردّه ، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر. وأما احتجاجكم بقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) القصص : ٨٨ ، فأتيتم من سوء فهمكم
__________________
ـ خطأ ، أنظر «صحيح الجامع» (٥٠٨٦) و «المشكاة» (٥٦٩٦). وإنما له منه .. «حفت الجنة .. وحفت النار بالشهوات». وهذا رواه البخاري أيضا.
(٥٨٩) وهو مخرج في «الصحيحة» (١٠٥).
(٥٩٠) صحيح ، وهو مخرج في المصدر السابق (٦٤).